جدلية الوطني والطبقي والاممي في فكر خالد بكداش
=========================
بداية من أجل فهم الرؤية والنظرة الثاقبة لخالد بكداش وفهم جدلية العلاقة بين الوطني والطبقي والاممي في فكره لا بد من إلقاء نظرة سريعة إلى العوامل التي ساهمت في تكوين شخصيته الاستثنائية والى العصر الذي جرت فيه عملية التكوين هذه ، وأقول أن أي ادعاء بإمكانية الفهم الكامل لهذه الظاهرة المسماة بخالد بكداش هو ادعاء مغاير للحقيقة ، فهذه الظاهرة تستدعي البحث المستمر وكل جيل سيأتي سيضيف جديده إلى تحليل وفهم هذه الحالة الفريدة
فخالد بكداش تلقى علومه في فترة النضال ضد الاستعمار الفرنسي وكان نشيطا في الحركة الطلابية يقول(كنت أشارك في هذه المظاهرات قبل أن أصير شيوعيا كنت أهتف لتسقط فرنسا وعندما أصبحت شيوعيا صرت أهتف ليسقط الاستعمار الفرنسي ) فهو مناضل وطني قبل أن يصير شيوعيا
تعمق خالد بكداش في دراسة التراث والأدب العربي وإبداعه في الرياضيات ومعرفته بالفرنسية ومن ثم الروسية في الثلاثينات من القرن الماضي سمحت له بالاطلاع على الأدبيات الماركسية التي لم تكن موجودة عمليا آنذاك باللغة العربية
اطلاعه الواسع على الفلسفة الكلاسيكية القديمة من الإغريقية وحتى الإسلامية لذلك فان كفاءته الشخصية إلى جانب الظروف التي تكونت فيها شخصيته أخرجت إلى الوجود مفكرا ماركسيا وسياسيا بارعا وقائدا وخطيبا شعبيا قل نظيره مكنه من التصدي لأساطين الردة والتحريف داخليا وعالميا
ثم ترعرعه في بيت وطني والده كان ضابط مدفعية شارك في معركة ميسلون وشهد استشهاد يوسف العظمة بالإضافة إلى وضعه الطبقي يقول الرفيق خالد( الذي دفعني إلى الشيوعية هو مزيج من الشعور الوطني والطبقي) ومعروف انه دخل مدرسة التجهيز بشهادة فقر حال ، وتروي الشيوعية القديمة أمينة عارف الجراح أنها عند زواجها من المحامي نجاة قصاب حسن طلب منهما الحزب أن يسكنا في بيت سري لان الرفيق خالد سيختبىء عندهم فتقول( لكن المفاجأة التي عقدت لساني وأطلقت الدموع من عيني حصلت عندما جاء بعض الرفاق بأثاث الغرفة المخصصة للرفيق خالد وكانت عبارة عن بعض الكراسي ومنضدة صغيرة ومفرش بسيط – يهرهر –قش من نواحيه المهترئة بكيت بيني وبين نفسي قائلة لينظر من يروجون في ذلك الوقت للإشاعات المغرضة إلى هذا المتاع البسيط غير المعقول الذي يعيش عليه الرفيق خالد وهو زعيم حزب كبير الأثر في الحياة السياسية ….ويضم عشرات الالوف من المنتسبين اليه)
إذا خالد بكداش لم يأت من القصور العاجية وهذا ما أشعره على الدوام بمعاناة الكادحين ،
لذلك كان للحزب الشيوعي السوري كما هائلا من المواقف الوطنية والطبقية بقيادته ، وخاصة في اللحظات الانعطافية التي كانت للوهلة الأولى غير مفهومة للجمهور الواسع ثم لا يلبث هذا الجمهور أن يتبناها بعد قليل من الزمن لتتحول هذه المواقف الى رصيد من الثقة بالحزب وبقائده التاريخي
*في ميدان الصراعات الدولية *
تجلت النظرة الطبقية والرؤية الشاملة لدى خالد بكداش في الحرب العالمية الثانية وانعكاسات هذه الحرب في النضال الوطني ضد فرنسا فكلنا يعلم بنضالات الشيوعيين ضد الاستعمار الفرنسي- المظاهرات التي قادها الحزب – دعم الثورة السورية الكبرى عام 1925-تقديم الشهداء وعلى رأسهم طيب شربك قائد حامية البرلمان- خطابات خالد بكداش في المحاكم الفرنسية أثناء اعتقاله- نداءات الحزب للجنود الفرنسيين….. وغيرها
إلا أن خالد بكداش وبرؤية طبقية فضح خطأ القوميين والسياسيين العرب في الموقف من الهتلرية حيث يقول: ( كذلك خلال الحرب العالمية الثانية كثيرون من السياسيين العرب وقعوا في نفس الخطيئة التي وقع فيها أسلافهم خلال الحرب العالمية الأولى فقالوا هتلر يحارب أعداءنا الانكليز والفرنسيين الذين يستعمرون العالم العربي فهو أذن صديق العرب كانت هذه النظرة غير طبقية وقد برهن تطور الأحداث أنها خاطئة ويضيف إن غياب النظرة الطبقية عند بعض القوميين جعلهم لا يرون أن الهتلرية هي ديكتاتورية أفظع عناصر الرأسمال العالمي وأشدها غلوا في الاستعمار والعدوان
وفي الوقت نفسه اعتقدوا بكل بساطة أن انتصار الجانب الذي فيه الانكليز والفرنسيون معناه استمرار استعباد العرب وغيرهم من الشعوب الآسيوية والإفريقية أما نحن فكنا على أساس نظرتنا الطبقية واثقين ثقة مطلقة بأن قيام دولة العمال والفلاحين بالدور الحاسم والقيادي في إحراز النصر على النازية الألمانية سيفتح أمام البشرية عهدا جديدا هو عهد انهيار النظام الاستعماري للامبريالية العالمية
ونحن نعلم أن العديد من الدول حازت على استقلالها بعد ذلك بفضل الدعم السوفييتي لها
\ سوريا والفيتو السوفييتي لصالحها في مجلس الأمن حول استقلال سوريا |
الوطني والطبقي في الموقف من الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية
رأى خالد بكداش أن هناك نقيضان عالميان هما العمل والرأسمال تمثلهما قوتان عالميتان هما الاتحاد السوفييتي القوة المكافحة ضد الاستغلال والاضطهاد والداعمة لحركات التحرر والامبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية القوة الضاربة لرأس المال المالي العالمي والموقف من هاتين القوتين كان يحدد موقف خالد بكداش والحزب من أي نظام أو حزب أو شخصية
فقال: ( إننا نحدد موقفنا من أي نظام أو أي حزب…… من خلال موقفه من الامبريالية الأمريكية والصهيونية ) وقال أيضا ( إن حجر الزاوية في سياسة حزبنا هو الموقف من الاتحاد السوفييتي ) والمقولة الأخيرة كلفته اتهامات عديدة باطلة داخل الحزب من اتهام بالذيلية والتبعية\ رياض الترك- الياس مرقص- ياسين الحافظ- وفيما بعد يوسف فيصل \ وخارج الحزب بالعمالة للاتحاد السوفييتي مثل ناظم القدسي عندما اتهم خالد بكداش بالعمالة للاتحاد السوفييتي وذلك في المجلس النيابي فرد عليه الرفيق خالد: أنا صديق الاتحاد السوفييتي ولكن غيري عميل لغير الاتحاد السوفييتي \ هذا رغم انتقادات خالد بكداش لبعض المواقف السوفييتية مثل مسالة حل الأحزاب الشيوعية والتي تصدى لها بقوة وحول مقولة التطور اللاراسمالي وأيضا هجومه على البريسترويكا
فما الرؤية الوطنية والطبقية لهذا الموقف من الاتحاد السوفييتي عند خالد بكداش يقول في تقرير اللجنة المركزية المقدم الى المؤتمر الخامس 1980( وحذر حزبنا من خطر مفهوم الدولتين العظميين دون تفريق بين الطبيعة الطبقية العميقة لكل منهما ودون إدراك أن إحداهما اشتراكية يحكمها العمال والفلاحون والثانية امبريالية تحكمها الاحتكارات الرأسمالية الاستعمارية
ولكن لذلك قيل لنا أن ليس هناك مبادىء بل هناك دولتان عظميان لكل منهما استراتيجيتهما القائمة فقط على مصالحها ….ثم يضيف : وحذر مؤتمرنا الرابع من شعار لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة وبين بوضوح أن مصالحنا الوطنية كلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية متناقضة تناقضا جذريا مع مصالح الامبريالية الأمريكية ومتطابقة جذريا مع مصالح الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية والصداقة الدائمة مع الاتحاد السوفييتي….وأدت كذلك سياسة الأوهام حول إمكانية تحييد أمريكا إلى شل عمل الجبهة الوطنية التقدمية شهورا طويلة بحجج مختلفة ما أنزل الله بها من سلطان ))
وبالفعل فان نظرة سريعة إلى المنشآت والمشاريع الاقتصادية في سوريا تؤكد صحة رؤية خالد بكداش فسد الفرات واستثمار النفط وطنيا بمساعدة الخبراء السوفييت ومصفاة النفط والسكك الحديدية وكافة المشاريع المفتاحية التي تهدف إلى إنشاء قاعدة وبنية تحتية قوية وتقوية قطاع الدولة لأجل خلق بنية اقتصادية تقوي مقومات الصمود ومواجهة الصهيونية والحفاظ على السيادة الوطنية ومن ناحية أخرى أثرت هذه المشاريع إيجابا في الحياة المعاشية للجماهير وتوسيع أعداد الطبقة العاملة في البلاد ….فتصوروا سورية من دون سد الفرات مثلا
بالإضافة إلى دعم سوريا عسكريا
يقول خالد بكداش: ناضلنا ولم نصل لحد القطيعة مع الحلفاء كما كان يريد بعض ( اليساريين )المتطرفين لأننا كما قرر مؤتمرنا الرابع لانزال ندرك التناقضات والتأرجحات الناجمة عن طبيعة الفئات الاجتماعية التي يتعاون حزبنا معها
ثم يسأل خالد بكداش :ما هو منشأ الأوهام حول أميركا ؟ ما هي قاعدتها الإيديولوجية ؟
إن أساسها هو فقدان الموقف الطبقي الصحيح من الظواهر الاجتماعية والسياسية الناشئ عن ضيق الأفق القومي لدى بعض الفئات وعدم رؤية التفاعل والانسجام بين المصلحة الوطنية والقومية العميقة وبين العملية الثورية العالمية ضد الامبريالية ومن يقود العملية الثورية العالمية
وقال أيضا : النظرة الطبقية هي التي تسمح بتحديد من هم حلفاء حركة التحرر الوطني ومن هم حلفاء شعبنا
* خالد بكداش ومقولة عالمية الحركة الشيوعية ولا وطنيتها *
اتهم خالد بكداش ومعه الحزب الشيوعي السوري بالكوسموبولوتية بالانتماء إلى الحركة الشيوعية العالمية وأنهم أمميون لا يولون القضايا الوطنية والقومية الاهتمام الكافي ، ومن جهة أخرى اتهم خالد بكداش بترجيح الجانب الوطني على الجانب الطبقي ونسيان الهدف الاستراتيجي وهو قيام المجتمع الاشتراكي بقيادة الطبقة العاملة 0
لندع خالد بكداش يتكلم حيث يقول: هكذا إذا من المنطلق الماركسي اللينيني الذي نأخذ به أننا نحن الشيوعيين السوريين إنما نعمل ونناضل في سبيل مصلحة طبقة معينة هي الطبقة العاملة وهي موجودة في وطن معين هو سورية وتنتمي إلى قومية معينة هي القومية العربية( وهذا لا يعني إنكار وجود عمال من القوميات الأخرى التي تعيش في سوريا ) غير أن مصلحة هذه الطبقة التي نمثلها مندمجة ومنسجمة من جهة مع مصلحة جماهير الفلاحين وسائر الكادحين في سوريا نفسها وفي العالم العربي من جهة أخرى ومندمجة ومنسجمة مع مصلحة قوة كبرى عظيمة تلف الكرة الأرضية بأسرها وهي الطبقة العاملة العالمية إذن نظرتنا ومواقفنا وأعمالنا ونضالاتنا هي طبقية ووطنية وأممية في وقت واحد ولا تناقض في ذلك بتاتا (المؤتمر الثالث1969)
هؤلاء القوميين وحتى المخلصين واليساريين منهم يسيئون فهم وبالتالي تحليل مقومات سياستنا وسلوكنا وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين مواقفنا الوطنية والقومية ومواقفنا الأممية ويقولون عنا نحن الشيوعيين بأننا امميون وأن الحركة الشيوعية حركة عالمية والشيوعيون يعملون لانتصار الثورة الاشتراكية على النطاق العالمي الشامل ويستنتجون من ذلك أننا لا نولي القضايا الوطنية والقومية الاهتمام الكافي أو أن الاهتمام عندنا بالوطن والوطنية والمصالح القومية للأمة العربية هو موقف تكتيكي عابر ليس إلا فكون الحركة الشيوعية حركة عالمية وكون الشيوعيين يعملون لانتصار الثورة الاشتراكية على النطاق العالمي لا ينفي أبدا بل يؤكد حقيقة بسيطة وهي أن هذه الثورة يجب أن تنتصر في البداية في كل بلد في كل وطن والتجربة التاريخية تبين فعلا أنها انتصرت في وطن واحد ثم في أوطان أخرى فالحركة الشيوعية هي إذن قبل كل شيء حركة وطنية)
ماذا يعني هذا الكلام ؟ إذا كانت الاشتراكية هدفا استراتيجيا على المستوى العالمي لأي حزب شيوعي فان لأي حزب شيوعي هدف استراتيجي على المستوى الوطني هو إقامة حكم الطبقة العاملة يؤدي إلى الهدف الأول ولا يمكن للأول أن يتحقق دون الثاني
أما عن الاتهام الثاني لخالد بكداش حول نسيان الهدف الاستراتيجي أي الاشتراكية فان كل كلمة قالها وكل فعل كان يقوم به وكل تحالف وكل نضال وكل مقال كان يؤدي إلى هذا الهدف فالنضال ضد الامبريالية ونضاله في سبيل انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية كله كان من أجل تهيئة الظروف لإقامة حكم الطبقة العاملة
يقول خالد بكداش: إن حزبنا لم يتخلى ولن يتخلى إطلاقا وابدأ عن مهمته النبيلة في الالتصاق بالشعب وفي الإحساس العميق بآلامه والعمل والنضال في سبيل الخلاص منها إن حزبنا الشيوعي السوري خلال اتصاله بالجماهير وخلال نضاله من أجل مطالب الشعب يبين للكادحين بشرف وصراحة واستقامة يرى أن الحل الجذري لمشاكلهم هو في الاشتراكية وهذه الفكرة تنتشر بزخم بين العمال وأوسع الجماهير الشعبية وقد جاء في قرار اللجنة المركزية الذي أعلن في حزيران 1984ووزع في البلاد إعدادا للاحتفال بالذكرى الستين للحزب جاء في القرار ما يلي حرفيا Lيناضل الحزب لتأمين كل الظروف والعوامل لانتصار الاشتراكية وإقامة حكم الطبقة العاملة وإلغاء استثمار الإنسان للإنسان ) من خطاب الذكرى الستين لتأسيس الحزب
*الوطني والطبقي في الأسس الثلاثة لسياسة الحزب *
عمل خالد بكداش بثبات للتوفيق بين المقومات الثلاث لسياسة الحزب وهي * التعاون مع حزب البعث وسائر القوى الوطنية والتقدمية من أجل أوسع التفاف جماهيري حولها للدفاع عن الوطن في وجه الضغوطات والمؤامرات الامبريالية
*الحفاظ على وجه حزبنا المستقل وإبرازه في القضايا المبدئية والقضايا السياسية الكبرى من حيث هو حزب ماركسي له تنظيمه المستقل وسياسته المستقلة ورؤيته الطبقية المستقلة للأحداث والأوضاع الداخلية والخارجية
*الدفاع عن مطالب الجماهير الشعبية حيث أن هذه الأخيرة هي جوهر الجوهر في كيان كل حزب شيوعي في وجوده وتطوره هو الالتصاق بالشعب والالتصاق بالجماهير وتبني مطالبها والدفاع عن هذه المطالب بشكل جدي بجميع الوسائل والأساليب المتاحة مع اجتناب الوقوع في مواقف يمينية أو يسارية (وثائق المؤتمر السابع )
ان امتلاك خالد بكداش لأدوات التحليل بالاستناد إلى أرضية التحليل الماركسي اللينيني كان يجعل من قراءته للواقع قراءة صحيحة فاعتبار الحزب الجبهة الوطنية التقدمية مسألة إستراتيجية لم يضعه في وهم النظرالى واقعها العملي على أنها صيغة جامدة أو مكتملة أو ناجزه أو أن العمل الجبهوي كما يرى الحلفاء أحيانا غير قابل للنقد وللمساءلة فالجبهة كما أشار الرفيق خالد بكداش في أكثر من مناسبة هي جبهة وطنية فقط وليست جبهة تقدمية إلا بمقدار ما يعبر الوقوف في وجه الامبريالية عن موقف تقدمي
يقول خالد بكداش:لا ينبغي أن تكون هناك أية أوهام حول مدى اثر وفعالية الجبهة فيما يتعلق بالسلطة والحكم نحن أدركنا ذلك منذ البداية وعملنا على أساس هذا الإدراك …….إن بعض التقدميين وربما عدد من رفاقنا هنا وهنا ظنوا في البداية أن الجبهة مدعوة وفق ميثاقها نفسه إلى القيام بدور قيادي في الحكم أو حتى أن تتحول إلى السلطة الفعلية العليا في البلاد نحن كنا منذ البداية نعلم أن ذلك غير مطابق للواقع فالحقيقة أن السلطة الفعلية هي في أيدي حزب البعث ……… أما نحن فلم نعتقد يوما مثلا أن مجموع نشاط حزبنا ونضاله في سبيل مطالب الجماهير يجب أن يمر عبر الجبهة
قراءة خالد بكداش والحزب لواقع الارتداد والتراجع في الجانب الاجتماعي التقدمي وتشخيصه وتحديده للقوى الطبقية والاجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقية في مثل هذا الارتداد دفعه إلى إعلان توقف التقدم الاجتماعي منذ السبعينات وضرورة العودة إلى طريق التقدم الاجتماعي وبيّن للشعب وللمسؤولين بصراحة أن التعاون داخل الجبهة وخارجها بين القوى الوطنية والتقدمية لا يعني إطلاقا موافقة الحزب على كل ما يجري في البلاد وخصوصا في الميادين الاقتصادية والحيوية الأخرى المتعلقة بالمطالب الشعبية الملحة لا بل وحتى بعض المواقف الدولية ( مفهوم الدولتين العظميين – دخول الجيش السوري إلى لبنان – دعم نظام افورقي في اريتريا للانفصال عن أثيوبيا ……)
كما أن إقرار الحزب بأن النهج في سوريا ولاحقا الموقف السوري ما زال وطنيا تأسس على هذا الإقرار واجب الدفاع عن هذا الموقف وتعزيزه أكثر من خلال التصدي لمحاولات الامبريالية والصهيونية والضغوطات التي مورست وتمارس على وطننا ومحاولة تأزيم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للجماهير الشعبية من خلال تصدير وصفاتها الاقتصادية الليبرالية وتبني بعض القوى الطبقية لهذه الوصفات والتي تشكل مرتكزات خطيرة وبوابات عبور لتمرير مصالح الاحتكارات الأجنبية إلى بلادنا يقول خالد بكداش:
أعلنا للمسؤولين والشعب صراحة أن تعاوننا ضمن إطار الجبهة الوطنية التقدمية وحرصنا العميق على هذا التعاون لا يعني أبدا موافقة حزبنا على كل ما يجري في البلاد وخاصة في الميادين الاقتصادية وفيما يتعلق بمطالب الجماهير الشعبية إننا بمواقفنا هذه لا نريد المزاودة على أحد ابدا
إن كشف خالد بكداش لواقع الارتداد والتراجع وتوقف التقدم الاجتماعي وللموقف الوطني السوري كشفه لهاتين الحقيقتين وما يترتب عليهما من مهمات نضالية يعبر عن جدلية التوفيق النضالي مابين النضال الوطني والدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته كاملة ضد كل نفوذ وتدخل استعماري وبين النضال التقدمي الاجتماعي من خلال ضرب مواقع القوى التي تقف سدا في وجه العودة إلى التقدم الاجتماعي وهي البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية وترسيخ هذا التوافق وتجذيره وعلى هذا الأساس حدد الحزب موقفه تاريخيا وراهنا من الوضع العام في البلاد من النظام القائم بمجمله من كل حزب أو فئة سياسية أو فرد أو شريحة طبقية على أساس موقف هذا النظام هذه الفئة السياسية هذه الشريحة الطبقية من القضية الكبرى قضية النضال بلا هوادة ضد الامبريالية الأميركية والصهيونية وهذا النضال يهيئ المناخ أكثر فاكثر للنضال في سبيل قضايا الشعب الحياتية وبخاصة المعاشية وبالعكس أيضا فان النضال في سبيل لقمة الشعب وتعزيز دوره في الحياة العامة في البلاد يمتن الموقف الوطني ويصلبه فطرفا المعادلة في شعار / الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة الشعب/ يتعانقان في جدلية نضالية كلٌّ باتجاه تعزيز الآخر وتجذيره إن معرفة الحلقة الأساسية والقبض عليها : حلقة النضال الحازم ضد الامبريالية الأمريكية والصهيونية يعني بالضبط التأكيد على الحلقة الأخرى وهي حلقة مطالب الكادحين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال لأي حزب شيوعي إدارة الظهر لها في أي ظرف من الظروف
فالمهام الوطنية التي تفرضها حلقة النضال ضد الامبريالية متداخلة عضويا عند خالد بكداش ومتلازمة وغير منفصلة عن جملة المهام الطبقية والاجتماعية يقول خالد بكداش:إننا نحن الشيوعيين قد أقسمنا ونقسم في مؤتمرنا هذا أن ليس لنا عن البرجوازية الطفيلية من مهل ولن نكفّ عن النضال ضدها فاستئصال دورها معناه استئصال الجذور والمصادر الأساسية للفساد والرشوة معناه استئصال ركيزة أساسية من ركائز العمالة للامبريالية ومن ركائز أعمال التخريب والسعي لنشر الفوضى والاضطراب في البلاد والعداء الشرس للتقدم الاجتماعي وبذلك فقد مزج التاريخ النضالي للحزب الشيوعي السوري صفته الوطنية بصفته التقدمية الطبقية كحزب للوطن وكحزب للشعب والجماهير الكادحة كحزب للجلاء وحزب الوطنية الحقة والأممية الصادقة ( حيث لا وطنية فوق وطنية الطبقة العاملة أي طليعتها الثورية الحزب الشيوعي)
في الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب قال خالد بكداش: عمل الحزب منذ اليوم الأول على إظهار وجهه المستقل من حيث أنه أولا :حزب النضال بلا هوادة ضد الاستعمار ومن أجل الاستقلال الوطني وثانيا حزب العمال والفلاحين والجماهير الشعبية المناضلة في سبيل مطالبها وثالثا حزب الاشتراكية العلمية
إن صياغة خالد بكداش للشعارين الكبيرين / وطن حر وشعب سعيد/ و/ الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة الشعب هو تأكيد على دياليكتيك العلاقة بين الوطني والطبقي حيث حدد هذان الشعاران هوية الحزب ففي كلمته الافتتاحية للمؤتمر السادس قال:مؤتمرنا قبل كل شيء وقبل أي اعتبار مؤتمر الدفاع عن الوطن مؤتمر التضامن مع جميع الوطنيين في التصدي للتهديدات الأمريكية الإسرائيلية ومؤتمرنا في الوقت نفسه مؤتمر الدفاع عن لقمة الشعب الذي تكويه نيران الغلاء المتفاقم كل يوم ….ولا مغالاة أبدا عندما نسمع أن عائلات وفئات متزايدة يهددها الجوع الجوع الحقيقي
ورأى خالد بكداش أن شعار الدفاع عن الوطن يجب أن يكون الشعار الرئيسي لجميع التقدميين لجميع الوطنيين كيفما كان وضعهم الطبقي شعارا لمجموع الشعب السوري ( ولكن شعار الدفاع عن لقمة الشعب يقف الشيوعيون في طليعة الرافعين له )
إذ ليس كل وطني تقدمي بالضرورة بينما كل تقدمي وطني بالضرورة
وكان يرى في وقوف الشيوعيين في وجه الامبريالية موقفا طبقيا بامتياز كونهم النقيض الموضوعي لها ودعا الشيوعيين إلى الدفاع عن مطالب الكادحين ولو أدى بنا ذلك إلى السجون
حيث قال أثناء استشهاد الرفيق نضال آلة رشي : مثلما نقدم الشهداء في المعارك الوطنية ضد الامبريالية والصهيونية نحن مستعدون لتقديم الشهداء في المعارك الاجتماعية والطبقية
واليوم وعلى هدى فكر ومدرسة خالد بكداش فان الشيوعيين مطالبون بتشديد النضال الوطني والطبقي معا أكثر من أي وقت مضى
علي أحمد