سورية .. مرحلة مختلفة ومهام ملحة

سليمان أحمد

.

حدث تغيير كبير في سورية، وانتقلت بلادنا من مرحلة إلى أخرى وعلى كافة القوى الوطنية والتقدمية في سورية إعادة تنظيم صفوفها وتحديد مهامها على ضوء التحديات الجديدة .

من الدولة الوطنية التي أنهكتها الحرب وحيتان الفساد والنهب والضغوطات الامبريالية المتتالية إلى دولة منزوعة السلاح وتحت الوصاية الدولية والأقليمية ووصول بنية جهادية سلفية الى سدة الحكم فيها.

البرامج والسياسات التي كانت موضوعة خلال الحقبة الماضية للقوى الوطنية والتقدمية لم تعد في كثير من مفاصلها مناسبة للمرحلة الجديدة .

وقد تكون تطورات الأحداث المتسارعة وتواترها، عائقا أمام هذه القوى في اجراء مراجعات شاملة لسياساتها على ضوء الواقع الجديد ولكن لا خيار من صياغة استراتيجيات جديدة تلائم المرحلة الجديدة .

.

المسألة الوطنية ..

.

ولعل المسألة الوطنية تأتي في سلّم أولويات هذه المرحلة،

فمن دولة وطنية مناهضة للمشروع الامبريالي الصهيوني في المنطقة، إلى دولة مهادنة لهذا المشروع وعلى خلاف كبير مع قوى المقاومة في المنطقة، وهذه حقيقة من خلال تصريحات قادة دمشق الجدد، ولعل تصريح السيد أحمد الشرع ( أبو محمد الجولاني ) بأنه ليس في اهتامهم وأولوياتهم فتح جبهة صراع مع اسرائيل، وأن عدوهم كان النفوذ الايراني المؤذي في سورية، دون أن يصدر أية ردة فعل وطنية خلال التدمير الاسرائيلي الممنهج للقدرات العسكرية والبحثية والدفاعية لسورية .

فإذا .. هناك تحول دراماتيكي في هذا الاتجاه، وعلى القوى الوطنية والتقدمية إعطاء هذا الأمر الأهمية المناسبة وكيف يتم تدوير الوجهة السياسية لسورية في اتجاه معاكس لسياستها المعروفة من الاستقلال وحتى الآن وما المهام المترتبة على ذلك .

.

سوريا القادمة .. دولة دينية ام علمانية

.

لعل جبهة جديدة وكبيرة أخرى ستفتح أمام هذه القوى، وهي الصراع على شكل سورية المستقبلي، ودستورها، والعقد الاجتماعي بين مواطنيها .

هل ستكون سورية دولة علمانية ديمقراطية ..؟، أم دولة دينية منغلقة تحكمها الفرمانات القراقوشية .

قوى الجهادية السلفية ( القوى العسكرية الحاكمة )، مع الأخوان المسلمين، سيضغطون كثيرا باتجاه أخذ سورية إلى واقع مختلف، من خلال فرض دولة دينية، تستمد قوانينها من الشريعة، وتخنق المجتمع السوري وتقوّض تنوع ثقافاته، وهنا يعاد إلى الأذهان مشروع قانون الآداب العامة، الذي قدمته ما تسمى بحكومة الانقاذ السورية التابعة لهيئة تحرير الشام في إدلب في بدايات هذا العام 2024، لتعطي فكرة واضحة عن توجهات هذه القوى، علما أن هذه الحكومة نفسها تقريبا تحكم كل سورية اليوم .

فقد ورد في المادة 14 منه يمنع خروج النساء والفتيات، اللاتي بلغن الثانية عشرة من غير لباس ساتر للرأس والبدن .

وفي المادة 12 يمنع البيع وفتح المحال التجارية والمطاعم والأندية والمسابح والمقاهي والبسطات ونحو ذلك بعد النداء الثاني يوم الجمعة وحتى انتهاء الصلاة .

وفي المادة 11 يمنع المجاهرة بالفطر في نهار شهر رمضان

وفي المادة 15 يمنع كشف العورة للبالغين من الذكور في الأماكن العامة أو الملحوظة

وفي المادة 16 تمنع خلوة الرجل بامرأة أجنبية عنه .

وفي المادة 19 يمنع شرب الخمر والمخدرات بأنواعها وصناعتها وحيازتها وبيعها

وفي المادة 29 يمنع الاختلاط في العمل بين الجنسين سواء في قطاع عام أو خاص إلا باثبات أنهما من المحارم

وفي المادة 9 يمنع سب الله وأنبيائه ودينه أو الاستهزاء والانتقاص من شعائر الاسلام ورموزه وعلمائه ..!!!

فإذا .. سيكون هناك صراع مجتمعي عميق، حول قضايا الحريات والمعتقد وكيفية إدارة شؤون الناس الخاصة والعامة، عدا عن الصراع السياسي حول الوجهة السياسية لسورية وقضايا الحريات الديمقراطية والمؤسسات والصحافة .

.

التوجهات الاقتصادية ومعيشة الناس ..

.

أما قضايا الناس المعيشية والتوجهات الاقتصادية للدولة ومسائل النهب والفساد والغاز والكهرباء والخدمات والتعليم والصحة فستكون مثار صراع توجهات مختلفة .

فالقوى الحاكمة في سورية وداعموها، هم من أنصار الاقتصاد الليبرالي المتحرر من أي سيطرة للدولة وسيكون الدور الحاسم فيه للكومبرادور والفئات الطفيلية القميئة .

على القوى الوطنية والتقدمية توثيق صلاتها مع الجماهير أكثر، وجرها إلى ساحة الصراع للدفاع عن مصالحها وذلك بالمحافظة على ما تبقى من قطاع الدولة وتحديثه وتخليصه من الاجراءات البيروقراطية المطبقة بحقه، فنقطة البداية في النضال الاقتصادي القادم سيكون دائرا حول هذا القطاع، وكذلك الحفاظ على ثروات البلاد كالنفط والغاز والفوسفات والاستفادة منها في إعادة الاعمار وتحسين الواقع المعيشي والخدمي للفئات الاجتماعية المسحوقة .

على هذه القوى عدم التهاون في وجه المحاولات لإعطاء امتيازات ومكاسب اقتصادية للدول التي ترى نفسها وصية على الشعب السوري، وتحديدا الدولة الجارة التي لها أطماع تاريخية في بلدنا .

.

إعادة تشكيل الجيش ..

.

ومن القضايا الهامة والمصيرية، التي يجب أن لا تغفلها أبدا القوى الوطنية والتقدمية في بلدنا، هي قضية الجيش الوطني وضرورة إعادة تشكيله بالسرعة القصوى من جميع مكونات الشعب السوري وأن لا يكون خاضعا لحزب معين أو تنظيم أو لون ما، وان يكون جيشا للوطن مدربا في الدفاع عنه وضد المحتلين لأجزاء من أراضينا .

.

المسألة الكردية ..

.

أما قضايا التنوع والأقليات القومية، وبأخص الذكر المسألة الكردية، المحتدمة الآن، فعلى هذه القوى أن تبادر وأن تناضل لحلها ضمن الإطار الوطني من خلال دولة المواطنة وإعطائهم الحقوق التي تعبر عن خصوصيتهم ويزيد ارتباطهم بوطنهم الأم سورية ويقطع الطريق أمام أية قوة أخرى تريد استغلال هذه المسألة لمآرب استعمارية وعدوانية .

اليوم وتحديدا اليوم .. يجب أن يكون خطاب القوى الوطنية والتقدمية موجها للجماهير العريضة على كامل الجغرافية السورية، وضرورة زجها في المعارك الوطنية والطبقية القادمة، ويكسب في النهاية من ينجح في كسب الجماهير والكادحين في هذه المعركة المصيرية .

اترك تعليقاً

Scroll to Top