2/2
الشاعر المتضامن مع قضايا الشعوب ..
كثيرون هم الذين تناولوا الحرب الأهلية الاسبانية في نتاجاتهم الأدبية والفنية // بيكاسو – ايلوار-همنغواي – مالرو – سارتر- اهرنبورغ- باسوس…../ وكان نيرودا في مقدمتهم فعند قيام الردة الفاشية كان قنصلا” لبلاده في مدريد وأدى عمله لصالح الجمهورية الاسبانية خلافاً لسياسة
حكومته الى عزله من مهامه القنصلية فهيأ في باريس بالاشتراك مع شاعر فرنسا الكبير لويس آراغون ورابطة الكتاب والفنانين الثوريين مؤتمر الكتاب الذي انعقد في مدريد المحاصرة لمناصرة الشعب الاسباني وجمهوريته ثم عينته حكومة الجبهة الشعبية التي حلت محل الحكومة السابقة قنصلا” للهجرة الاسبانية في باريس وأسفر نشاطه عن تأمين وصول 2500 لاجىء اسباني من أنصار الجمهورية إلى تشيلي تحت وطأة هذه الأحداث وقف نيرودا بشعره أيضاًمع الشعب الاسباني ليخرج برائعته ( اسبانيا في القلب ) هذه التحفة الأدبية التي كتب عنها لويس بارو في مقدمة الطبعة الفرنسية// إن هذا الكتاب يؤلف تمهيداً جباراً للأدب العالمي// .
ستسألون لماذا لايتغنى شعري بالأحلام
والأوراق والبراكين الجبارة في مسقط رأسي؟
تعالوا إذن: فانظروا الدم في الشوارع
تعالوا انظروا الدم في الشوارع
تعالوا انظروا
كتب للثورة الكوبية ( أغان ملحمية ) وخلّد بطولات الشعب السوفييتي الأسطورية في حربه الوطنية ضد المحتلين الفاشست كتب بحب عن ستالين وستالينغراد في قصيدته//أغنية حب جديدة لستالينغراد//
لقد غنيت بالأمس الماء والزمان
ووصفت الحزن ومعدنه البنفسجي
وغنيت السماء
أما الآن فسأغنيك
………..
ووطنك من المطارق والغبار
والدم فوق سنائك الثلجي
وارناءة ستالين للثلج
مصبوغة بدمك
…………
وإذا لم يكن لي شرف النضال على أسوارك
فاني لمجدك، أترك هذه القذيفة الكالحة
هذه الأغنية أغنية حبك .
.
الشاعر المرشح لرئاسة الجمهورية ..
.
ساهم نيرودا في الحياة السياسية لبلده ورسم مستقبله فخاض المعركة الانتخابية إلى جانب القائد الشيوعي انياس لافرتي في مناطق التجمعات العمالية حيث مناجم النحاس وأيد غونزاليس فيدولا عندما ترشح عن اليسار وانتخب عضوا” لمجلس الشيوخ على قائمة الحزب الشيوعي عام 1943 وبعد عدة أشهر انتسب للحزب الشيوعي التشيلي ورشحه الحزب لرئاسة الجمهورية كما ساهم في الحملة الانتخابية لصالح مرشح الجبهة الشعبية سلفادور اليندي
.
نيرودا المطارد من الدكتاتوريات ..
.
لكن غونزاليس فيدولا الذي أيده نيرودا مع قوى اليسار سرعان ما تنكر لوعوده وبرنامجه الانتخابي خائناً ثقة ومصالح شعبه ليضع نفسه في خدمة الإمبريالية الأمريكية واحتكاراتها وكان أول ما قام به (فيدولا) أنه جرد نيرودا من حصانته البرلمانية وأمر بتوقيفه في محاولة لإسكات صوته الهادر ولكنه استطاع الإفلات من قبضة الدكتاتور لقد خبأ الشعب شاعره عن عيون الدكتاتور وزبانيته فترة طويلة وشكل اختفاءه لفترة عن العيون حالة من النضال الشعري لإنقاذه من قبل الشعراء التقدميين وقد أسهم آراغون بالقسط الأكبر في هذا النضال الذي نجح قبل ذلك في تحرير ناظم حكمت من غياهب السجون التركية ، كتب الفرنسي جان مرسيناك ( في أحد الأيام وصل نيرودا الى فرنسا وكان يحمل معه ملحمة / النشيد الشامل / فأدركنا عندئذ السر الذي أنقذه بمعزل عن قصائدنا ونضالنا وتيقظنا لقد كان المنقذ عرفان الجميل الذي يحسه شعب تجاه شاعره ) ويذكر نيرودا في مذكراته أن رجلاً تشيلياً صاحب أملاك أمر عماله بفتح طريق طوله عشرات الكيلومترات في الغابة الكثيفة لتهريبه الى الأرجنتين .
يتعرض في / النشيد الشامل/ لطغاة ودكتاتوريي أمريكة اللاتينية الذين حكموا القارة حقباً طويلة ويكرس ملحقاً لغونزاليس فيدولا خائن تشيلي .
أيتها العظاءة، يا أمريكا الملتفة
على النمو النباتي
أنت أرضعت أبناء” أفظاظا”
بحليب أفعى سامة
مهود حارقة احتضنتهم
ووحول صفراء غطت
هذه السلالة من القتلة والدمويين
القط والعقرب زنيا
في الوطن الغابي
فكان هؤلاء
الكلمة المقاتلة ..
.
كانت أشعار نيرودا زاداً لثوريين عظام مثل تشي غبفارا فقد كان كتاب النشيد الشامل أحد رفاق غيفارا الذين لم يفارقه على قمم جبال بوليفيا وأشعر ذلك نيرودا بالفرح من جانب وبالحزن من جانب آخر ، أشعره بالفرح كما يقول في مذكراته لأن كلماته قاتلت الى جانب غيفارا وبالحزن لأنها كانت آخر من شهدت استشهاده ويضيف في مكان آخر من مذكراته بأن طائرة تجسس أمريكية أرسلت للتجسس على الاتحاد السوفييتي مدفعيان شابان أسقطا تلك الطائرة من علوها فوق جبال تيان شان وعندما سألهما الصحفيون ومراسلو التلفزيون عن اسمهما وماذا يأكلان وماذا يقرآن أجابا انهما كانا يقرآن للشاعر الروسي بوشكين والشاعر التشيلي بابلو نيرودا عندها شعرت بأن تلك القذيفة التي أسقطت الطائرة كانت تحمل بعض كلماتي .
.
عدو الفقر- عدو الامبريالية ..
.
حلم نيرودا بمجتمع العدالة الإنسانية الخالي من الاستغلال والعبودية والفقر ناضل من أجل هذا الحلم الذي كان واثقاً من انه سيتحقق ذات يوم على مساحة الكرة الأرضية فحارب دون هوادة الفقر وصانعيه .
اني ألاحقك أيها الفقر
أترقبك
أحاصرك
أصّوب عليك، أعزلك
أقضم أظافرك
أحطم أسنانك الباقية
وأدرك أيضاً الطبيعة العدوانية للإمبريالية الأمريكية ودورها في مصائب البشرية ونزعتها للسيطرة على العالم أولئك القابعين في مكاتب البنتاغون الواهمين أن باستطاعتهم إركاع العالم ورسم مصيره كما يريدون فكتب قصيدته / ليستيقظ الحطاب/ والتي استحق عليها جائزة السلام
ولكن إذا جندت عصاباتك يا أميركة الشمالية
لتنشر الخراب والدمار على هذه التخوم الآمنة
وتقود جزار شيكاغو
فيسيطر على الموسيقى والنظام الذي نحب
فسنخرج عندئذ من الصخور والهواء
لنعضك بأسناننا
سنخرج من النافذة الأخيرة
لنصب عليك النار
سنخرج من أعماق الأمواج
لنسمرك بالأشواك
سنخرج لنحرمك الماء والخبز
سنخرج لنحرقك في نار جهنم
.
صديق الصداقة ..
.
وصفه أصدقاءه المقربون ( بأنه هو الصداقة بعينها بإخلاصه واستقامته ، نيرودا الذي لايعرف ما هو المال ولا يعرف ما هو الحساب ولا يعرف ما هي الدنايا والذي يبارك فيه الناس أن يكون منفياً أحياناً أو مرغماً على الاختباء لأنه عندئذ فقط يستطيع أن يجد الوقت للعمل، هذا الوقت الذي يحسب أنه يسرقه من أصدقائه ) .
حين تعرض آراغون لاعتداء من قبل عصابة فاشية استضافه نيرودا في دار القنصلية التشيلية بباريس مقدماً له الملجأ الأمين وهو سواء في مذكراته أو في قصائده يكتب بحب لامثيل له عن أصدقائه رفاق القلم والنضال يتكلم عن اهرنبورغ وسيميونوف وألبرتي عن ناظم حكمت ومقاومته في السجون عن ايلوار وزرقة عينيه عن الإبليس آراغون الذي يجبره على التفكير عن بيكاسو ولوحته صعود القديس الخبز….. عن لوركا الذي عندما تأكد بأن الفاشست قد قتلوه صرخ : من كان يظن أنه توجد في الدنيا غيلان قادرة على اقتراف تلك الجريمة وليكتب بعدها إحدى أجمل مراثيه / أغنية الى فديريكو غارسيا لوركا / .
لو استطعت أن أبكي من الرعب في منزل منعزل
لو استطعت أن أنتزع عيني وآكلهما
لو استطعت لفعلته من أجل صوتك البرتقالي الحزين
ومن أجل شعرك الذي يتدفق صارخاً
فمن أجلك يدهنون المشافي باللون الأزرق
ومن أجلك تتكاثر المدارس والضواحي البحرية
وتكتسي الملائكة بالريش
وتتدثر الأسماك بالحراشف
وتحلق في السماء القنافذ
.
نيرودا والمرأة ..
.
مثلما أحب نيرودا وطنه وأصدقاءه ورفاقه مثلما أحب البسطاء والمقاومين بذلك الصفاء وبتلك البساطة أحب المرأة أيضاً ،في إحدى محاضراته قال : ما الذي أستطيع قوله عن قلبي؟ ولا تعرفونه؟ لنتكلم بصراحة لم أنطق يوماً بكلمة حب ليست مخلصة، ولم استطع أن أكتب بيتاً واحداً من الشعر بلا حقيقة .
ولعل ديوانه / مائة قصيدة حب للفؤوس وحب ماتيلدة والقرنفل/ لأسطع دليل فيما قال .
ماتيلدا، يا حبيبتي، دعي شفتيك منفرجتين
لأنه بهذه الطريقة يمكن لقبلتك الأخيرة
أن تتبعني في الموت
سأموت معانقاً عنقود جسدك التائه
وحين ستتلقى الأرض عناقنا هذا
سنمضي متحدين في موت واحد
وفي قبلة أبدية .
هذا هو نيرودا الذي دعا الى تسمية الأشياء بأسمائها كما فلاحي بلاده والذي لاتكفي مجلدات لدراسة نتاجه الذي يربو على خمسة آلاف صفحة .
( أجل لقد كنت رفيقاً أيها/ الأخ/ أيها الرفيق بابلو رفيقاً لنا ولكافة المستضعفين في الأرض ) .
علي أحمد
مشروع اورورا الإعلامي