بابلو نيرودا 1

بابلو نيرودا ..
( تعالوا انظروا الدم في الشوارع )
دراسة على حلقتين من إعداد : علي أحمد
١ من ٢
قليلون هم الذين حظوا بحب شعوبهم، وكادحي العالم وبحقد الأنظمة الدكتاتورية المستبدة في أمريكا اللاتينية بل والتي ادعت الديمقراطية في اوربة ( الحرة ) كما حظي شاعر تشيلي العظيم بابلو نيرودا ، وسر هذا الحب الجارف من جهة والحقد الأسود من الجهة الأخرى يكمن في المضمون الثوري الإنساني لقصائد هذه القامة الباسقة الوارفة في عالم الشعر والأدب .
قصائده بقامة حبه …..حبه اللامتناهي للأرض للإنسان للبساطة للبطولة والحياة .
ولد نيرودا في الثاني عشر من تموز عام 1904 في بلدة بارال ،اسمه الحقيقي ريكاردو الياسر نفتالي ريجس بازوالتو وفي عام 1920 تكنى بالاسم الذي اشتهر به فيما بعد ( بابلو نيرودا ) ليصبح اسما” شرعيا” له عام 1946 حيث اعترفت به الدوائر الرسمية .
عين قنصلا” لبلاده لفترات مختلفة في كل من ( رانغون- كولومبو- بيونس آيرس- برشلونة – مدريد- مكسيكو – قنصلا” للهجرة الاسبانية في باريس- ثم سفيرا” في باريس )
نال كماً كبيراً من الجوائز أهمها جائزة ستالين وجائزة السلام وجائزة نوبل…
تعرض للاعتداء والاعتقال والإبعاد في دول عدة فقد تعرض لاعتداء من عصابة نازية عام 1941 في مدينة كورنافاكا المكسيكية لتعم البلاد مظاهرات الاحتجاج والتضامن ، ثم تعرض لاعتداء آخر من قبل العصابات الفاشية اثناء سفره إلى غواتيمالا في نفس العام .
طرد من المكسيك عام 1943 لإسهامه في حملة تضامن مع القائد الشيوعي البرازيلي لويس كارلوس بريستيس
لتخرج الجماهير لتوديعه بالهتافات وفي شباط عام 1948 أصدرت المحاكم القضائية التشيلية أمراً باعتقاله بعد إلقائه خطاباً في مجلس الشيوخ تم نشره تحت عنوان ( إني أتهم ) كما صدر أمر بإبعاده عن فرنسا عام 1951وفي العام التالي وتحت ضغط المظاهرات الشعبية التي اجتاحت المدن الايطالية ألغى الرئيس الايطالي القرار الصادر من وزير الداخلية بإبعاد بابلو نيرودا وتسفيره من ايطاليا واعتقل في الأرجنتين بتهمة التآمر على أمن الدولة عام 1957 .
.
شاعر الشعب ..
.
بعد عقود من رحيل بابلو نيرودا لازال شعب تشيلي وشعوب أمريكااللاتينية تتغنى بقصائده لأنه( شاعر أقرب إلى الدم منه إلى الحبر) كما قال عنه مفخرة اسبانيا فديريكو غارسيا لوركا ولأنه استطاع أن يوصل أشعاره إلى البسطاء والمسحوقين // وهذا ما كان يحمل أفقر العمال التشيليين وأشدهم حرماناً على التوجه إلى الشاعر ليخاطبوه (( أيها الأخ بابلو)) // وهو الذي قال : ولقد عزمت على أن أكون في كل يوم أكثر بساطة في قصائدي الجديدة.
وفي المؤتمر الذي عقد في سانتياغو وأمام كتاب أميركة الجنوبية قال : نحن أمم مكونة من ناس بسطاء بدأوا يتعلمون القراءة والبناء،ونحن من أجل هؤلاء نكتب من أجل أقوام مساكين لدرجة أنهم غالباً لايحسنون القراءة ومع ذلك فان الشعر قد وجد على الأرض قبل الكتابة وقبل المطبعة ومن أجل هذا نعرف جيداً أن الشعر كالخبز ويجب أن يوزع بين الجميع علماء وفلاحين وأن يوزع بين أسر الشعوب، هذه الأسر الأسطورية العجيبة الممتدة )) .
وتروي زوجته( داليا ) لأحد أصدقائه الفرنسيين (( لقد كان يزدحم في ساحة منجم للفحم في تشيلي عند الظهيرة اللاهبة وطوال ثلاث ساعات أكثر من عشرة آلاف رجل يصغون إلى خطب المناضلين النقابيين والقادة السياسيين وجاء دور بابلو نيرودا ليعتلي المنبر ولم يكن له يومذاك هذا المجد الذي يرفل به اليوم ……وما كاد المذيع يعلن أن بابلو نيرودا سيلقي قصيدة حتى رفع عشرة آلاف عامل قبعاتهم، رفعوها بحركة واحدة وتحت الشمس المحرقة )) .
لقد قال لينين عن غوركي : اعتاد العمال اعتبار غوركي واحداً منهم لأنه يهتم بقضيتهم اهتمامهم الحار بها)) وهذا ما حققه نيرودا أيضاً في شعره فقد وقف مع الشعب بشعره ودمه ولم يعرف الانفصام بين شعره ونضاله اليومي كسائر العظماء .
أنا لاأكتب لأكون سجين كتب أخرى
أنا اكتب للشعب وان كان الشعب
لا يستطيع أن يقرأ بعيونه المرهقة شعري
فستأتي اللحظة التي يتناهى فيها إلى سمعه
سطر هو الريح التي تزلزل حياتي
وربما قالوا (( لقد كان رفيقاً لنا))
هذا يكفيني: انه التاج الذي أشتهي
تعرّف نيرودا على واقع العمال في بلده وهو مايزال صغيراً بل نبت في عالم الكادحين الواقعي فوالده كان مهندساً في السكك الحديدية يحيط به العمال فتعلم منه حب العمل والعمال والتعاطف معهم والوقوف إلى جانبهم فيما بعد .
في وطني يسجنون عمال المناجم
ويضع الجنود إرادتهم في أفواه القضاة
ولكن النور سوف يسطع رغم الخناجر
أعلن نيرودا بفخر وبقوة انتماءه الى أولئك الهنود الفقراء المسحوقين الذين لاقوا المجازر على يد الغزاة الاسبان كأسلاف له .
لم يكن لآبائي الاروكانيين خوذ من ريش لماع
ولم يكونوا ينامون على أزهار الاعراس
ويغزلون التبر للكهان
لقد كانوا صخرة وجذور
آجام منحنية الهام وأوراقاً كالحراب
وأسنة من حديد باسل .
يقول أحد النقاد : بأن هذه الأمة الاروكانية الفقيرة بأرضها العجفاء والعظيمة بحبها للحرية والاستقلال أعطت قصائد بابلو نيرودا حقدها العميق …وتلك اللهجة التي تنشد حقها بالحرية تنشده بضراوة وبلا هوادة ))
فهم من قاوم وقتل ( بدرو دوفالدفيا ) القائد العام الاسباني لمقاطعات تشيلي الذي لقي ما يستحقه من مصير مصير الغازي الذي يمارس الابادة من أجل الثروة ليأكل قلبه المحاربون الهنود الاروكانيين .
وحملنا ( فالدفيا) إلى ظل الشجرة
ثم صفعنا الوجه العدو
وقطعنا عنقه الباسل
وكم كان جميلا” دم الطاغية
الذي توزعناه ككوز من رمان
.
الشاعر المتعمق في تاريخ بلاده ..
.
خلّد نيرودا بطولات الهنود ومقاومتهم وخلّد اسم تشيلي بل أمريكا اللاتينية كلها بانسانها وطيرها وقرودها ووعولها وأنهارها ومعادنها وأرضها وغاباتها وثمرها وتاريخها بطغاته وأبطاله استحضر الماضي في شعره ليساهم به في رسم المستقبل حيث تعمق في تاريخ تشيلي وأمريكا اللاتينية هذا التاريخ الحافل بالمقاومة والثورات والتضحيات وساعده ذلك في رسم طريقه النضالي وألقى في قلبه بذرة التمرد ومقاومة الظلم والطغيان وكانت أسماء – تاباك آمورو وهيفجن و جوزيه ميغيل كاريرا ومانويل رودريغي وسيمون بوليفار وخوسيه مارتي وبالماسيده وزاباتا – هذه الأسماء كانت نجوماً تهديه في طريقه النضالي في ليل الدكتاتوريات البهيم .
هي ذي الشجرة ، شجرة العذاب
شجرة الشعب
من الأرض ينبثق الأبطال
كما تنبثق الأوراق من النسغ
هي ذي الشجرة، الشجرة ذات الجذور الحية
الشجرة التي ارتوت من نقمة المعذبين والشهداء
.
الشاعر المبدع – المواطن العالمي ..
.
كتب ببساطة المبدع وصدق المبدع وحب المبدع ..
كتب الناقد الفرنسي جان مرسيناك يقول : إن وراء الخلق ، خلق صناعة شعرية نادرة المثال : إنساناً بسيطاً جداً كفلاح بسيطاً كهوميروس ،يتكلم ليغني قصة التشيلي بلغة الرومانتيكية الثورية انه يتكلم عن نفسه عن بلاده عن ذويه عن إخوته انه يسمي قادة الشعب كروكابارين مؤسس الحزب الشيوعي التشيلي ويظهر عظمة الأبطال )
ويضيف مرسيناك في مكان آخر وهو يتحدث بتفصيل واسهاب عن تشيلي ( تلك هي تشيلي التي تحدثنا عنها بهذا التفصيل لأنه يجب أن نعرف عنها كل هذا ليتاح لنا أن نفهم // دون بابلو نيرودا// الذي هو من أقوى الأصوات الشعرية التي يمكن أن تصغي لها الدنيا ) .
ولأن العظماء تختزل فيهم عظمة شعوبهم وأوطانهم وعظمة نيرودا تأتي من عظمة وطنه تشيلي وعظمة شعبها فالكبار يكبرون بأوطانهم بكل ما هو إنساني فيها لهذا كان تشيلياً حتى العظم عاشقاً حتى العظم لأرضها وسمائها وشعبها البسيط الباسل .
تشيلي أيتها البلاد أيتها البلاد العظيمة المجيدة
الذائعة الشهرة في الجنوب
لك تكريم الأمم
يا تشيلي القوية السيدة الجبارة
ان الشعب المنحدر منك
هو سليل القوة والزهو والبسالة
أبداً ما من ملك استطاع أن يبسط عليك ظل نفوذه
أبداً ما من دخيل استطاع أن يمدّ عليك جناح سلطانه

وبمقدار ما كان نيرودا تشيلياً كان كذلك مواطناً أميركياً لاتينياً :
يا أميركا يا ممراً من الأشجار
أيتها العليقة البرية النابتة بين البحار
انك تهدهدين من القطب إلى القطب
كنزك الأخضر غاباتك الكثيفة
أحب نيرودا أن تسود موسيقا السلام العالم أراد السلام لشعبه ولكل العالم وبشّر بالأخوة العالمية وبذلك غدا مواطناً عالمياً .
لا أريد أن يفكر أحد بي
فلنفكر بالأرض كلها
ونحن ننقر على الطاولة بحب
لا أريد أن تعود الدماء من جديد
لتلطّخ الخبز واللوبياء
والموسيقى

اترك تعليقاً

Scroll to Top