جيل كيستيو*
ترجمة : علي إبراهيم 24/11/2024
ما هو هدفنا؟
مجتمع عادل وحر (حر لأنه عادل).
مجتمع يضمن الحق في العمل وتلبية الاحتياجات الأساسية.
مجتمع من العمال المتساوين، لايكترثون ولا تعنيهم الاختلافات في الجنس والأصل ولون البشرة والسلوك الجنسي والدين.
نحن نريد تأطير الدخل، وتحديد الحد الأقصى للدخل (وهو إجراء أكثر أهمية من تحديد الحد الأدنى للأجور، والذي يعتمد على المستوى الموضوعي لإنتاج الثروة).
نريد اقتصاداً وتقدماً علمياً وتكنولوجياً يتطور لصالح الشعب بأكمله، بدءاً من العمال، وليس بغرض تحقيق الأرباح وتطوير التسلح والحرب والاستهلاك المفرط وإنتاج النفايات.
نريد أن نطرح هذا الهدف ونقنع الجماهير بإمكانية وجود مثل هذا المجتمع، وهي إمكانية يتم حجبها بالستائر الدخانية والأكاذيب التي ترغب البرجوازية في جعلها نهائية. تستخدم البرجوازية مفهومها للديمقراطية كستار. ونسمعها تقول للناس الطيبين المنتظرين أمام صناديق الاقتراع: “نحن محظوظون لأننا تمكنا من التصويت!” » أي أنّ التصويت لاختيار السياسة المعادية للمجتمع التي سنواجهها يجب أن يكون أكثر أهمية من ضمان عدم خضوعنا للسياسة المعادية للمجتمع.
نريد أن نعمل بشكلٍ ملموس حتى في إطار المجتمع الرأسمالي لتحسين حياة العمال، و نحن جزء منهم، وذلك بشكل أساسي من خلال زيادة الأجور الصافية والإجمالية (الرواتب بما في ذلك مساهمات أصحاب العمل)، من خلال اقتطاع الضرائب من الأكثر ثراء، و من خلال خفض الضرائب غير المباشرة.
وللتحرك في هذا الاتجاه، نريد تطوير الخدمات العامة بشكل حازم (الصحة والتعليم والنقل والثقافة والسكن الاجتماعي) ونهدف إلى جعلها مجانية. لا يمكن للخدمات العامة المجانية الاستغناء عن سياسة تثقيف المستخدمين والجمهور بشكل عام للحد من الفظاظة وانعدام الأمن الجسدي والتخريب والإهمال الذي يقوض جودة الخدمات المجانية في مجتمع تجاري، دون صراع أيديولوجي ضد الأيديولوجية السائدة: الفردية.
ليس لدينا أية أوهام بشأن قبول مثل هذه السياسة من قبل الرأسماليين والبرجوازية، لكننا نعتقد أن سياسة الإصلاحات الاجتماعية الجذرية والمساواة ستحظى بدعم شعبي قوي، وستزيد من حدة تناقضات الرأسمالية، وستقودنا إلى ضرورة الانتقال إلى الاشتراكية.
نريد أن ننزع من البرجوازية والرأسماليين مفاتيح القيادة السياسية والمالية وسيطرتهم على وسائل الإعلام والثقافة في كل فرصة تتاح في المستقبل، لا يمكن بعد الآن التسامح مع أكاذيبهم المقطرة، وعملهم لزعزعة الاستقرار وقولبة الرأي العام، والانتظار السلبي لانقلابٍ على النمط التشيلي، أو الحرب العالمية التي يجري تحضيرها ضد الصين!
هناك حالياً مساراتٍ اشتراكية مختلفة تم اختبارها في بلدان مختلفة، وهي تتكيف مع تاريخها الوطني وتقاليدها الثقافية، المسار الكوبي، المسار الصيني… بالنسبة لأولئك الذين يعرفون كوبا، من الواضح أنه لولا الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة، لكان للمسار الكوبي نفس النجاح الاقتصادي الذي حققه المسار الصيني. ولهذا السبب هناك حصار، وإلا أصبحت التجربة لا تقهر، وامتدت إلى كل أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا.
إن اقتراح هذا المجتمع الجديد الأكثر عدلاً وساواة وديمقراطية ــ لأن المال لن يلعب أي دور سياسي ــ هو الحد الأدنى من البرنامج الانتخابي لليسار الشعبي. إنّ الجماهير الشعبية في جميع البلدان تلتزم إلى حد كبير بهذه الأهداف، حين يكون من الممكن التعبير عنها بحرية، وطالما لا تحجبها الخلافات المصطنعة وغير العقلانية المتعلقة بالمعتقدات الدينية والأخلاق.
ولكن إذا كان الأمر كذلك، فإن محامي الشيطان سيقول، كيف يمكننا إذن تفسير ضعف الحركة العمالية الحقيقية في الشركات، وفي الشوارع، وفي صناديق الاقتراع؟
وهي في الواقع أقل ضعفاً مما تعتقده، لكنها لا تعي ذلك لأنها واقعة تحت تأثير الترهيب الثقافي القوي. أو بعبارة أخرى، تريد الغاية، لكنها لم تعد تريد الوسيلة مرة أخرى. نريد الاشتراكية لو كان لدينا الاختيار، لكننا لا نريد الثورة الاشتراكية التي قدمتها السرد يةالكبيرة المناهضة للشيوعية في المدارس المتوسطة إلى المراهقين في مختلف أنحاء العالم باعتبارها كارثة وجريمة ضد الإنسانية.
إن الرغبة في مجتمع أكثر عدالة هي رغبة عالمية، لكن الرغبة في إحداث ثورة في البنية الاقتصادية والاجتماعية غير موجودة. ومن المفهوم أننا لا نريد الاضطرابات والمخاطر والفوضى الانتقالية من حالة اجتماعية إلى أخرى، لكن ذلك لا يمنعنا من الرغبة أو الحلم بمجتمع جديد. ولكن يبدو هذا الحلم وهمياً أكثر فأكثر وبعيد المنال بعد جيلين أو ثلاثة أجيال من الدعاية الرأسمالية الأثيرة، والتلقين الإعلامي والثقافي والتعليمي للجماهير الشعبية العالمية!
في ظل هذه الظروف، حل السباق على الاستهلاك الفردي محل الأمل في مجتمعٍ منظم من أجل رفاهية أكبر عدد من الناس. لقد غزت بهرجة التجارة ودخانها ومراياها العقول كالفيروس، لكن الواقع يعود بالضرورة دائما، في أكثر اللحظات غير المتوقعة، في الأزمات والحروب والأوبئة. وعندما يحدث ذلك، يجب ألا نتردد في اغتنام الفرصة، من دون القلق على النقاء الأيديولوجي، والحذر في اللغة أو الشكليات القانونية، والاستعداد لتحالفٍ شعبي واسع دون إقصاء أو تحيز.
إن الثورات الشعبية الكبرى في الماضي لم تنطلق قط لتطبيق برنامج مثالي وطوباوي، بل كرد فعل على الانتهاكات الوحشية للطبقات الحاكمة التي أجبرت الجماهير على الخروج من خنادقها: إعلان الحرب العدوانية باسم “ “حقوق الإنسان” (بالفعل!)، وخيانة النخب، وغزو فرنسا في عامي 1792 و1871، وخسارة الحرب الإمبريالية والمشاركة الكارثية في الحرب الإمبريالية الكبرى في روسيا في 1905 و1917، انقلاب الإبادة الجماعية في إسبانيا عام 1936، الغزو والتجزئة الاستعمارية في الصين، من 1843 إلى 1949، الدكتاتوريات الإجرامية في أمريكا اللاتينية، القمع الاستعماري، إلخ. إلخ. إن دور الحزب الثوري (بالمعنى التاريخي والسياسي المزدوج لكلمة “حزب”) هو إعداد العقول لهذه الثورة عندما تصبح حتمية ولا رجعة فيها.
لكن الحزب لا يستطيع أن يحضّر الثورة إذا لم يكن حاضرا يوميا إلى جانب العمال ومتحسساً للصعوبات الملموسة التي يواجهونها، وإذا لم يقدم نفسه بلا كلل كل يوم في النضال، وإذا لم يقترح “أياما سعيدة”، ولكن بمصداقية وليس مجرد تعويذة مع اقتراح لحشد شعبي في كل انتخابات.
ولا يمكنه أن يفعل ذلك إذا لم يلتزم بشكل واضح بالمعسكر المناهض للإمبريالية، معسكر السلام، لأن القوى الرأسمالية الغربية تشن بالفعل حرباً ضد روسيا والصين، بالوكالة حتى هذه اللحظة، على أملٍ غبي بالحصول على الاستسلام، بفضل طابورهم الخامس في هذه الدول من خلال هذه الحملة الشعواء ومن دون قتال، وهو ما لن يحدث. إن الحرب في أوكرانيا، التي أثارتها نزعة حلف شمال الأطلسي التوسعية، والحرب الاقتصادية الشاملة المعلنة ضد روسيا، وقريباً ضد الصين، تجعلنا نقترب بشكل خطير من الحرب النووية.
إن هذه الحرب العالمية التي ستحدث إذا لم نبذل كل ما في وسعنا لمعارضتها، وسواء حدثت أم لا، ستخلق الوضع الثوري الموضوعي، والحزب الثوري التاريخي، الذي يستلزمه هذا الوضع، والذي سوف يؤدي إلى نهاية الرأسمالية على المستوى العالمي.
* Gilles Questiaux (GQ)، كاتب سياسي فرنسي من مواليد 1958 في Neuilly sur Seine ، أستاذ التاريخ في التعليم الثانوي في Seine Saint-Denis من 1990 إلى 2020 .
المصدر: http://www.reveilcommuniste.fr/2021/06/qu-est-ce-que-nous-voulons.html