جمهوريةُ مهاباد بينَ الوقائعِ التاريخّيةِ …ومساعي تزييفِ التاريخ

        * إعداد : خورشيد أحمد

جمهوريةُ مهاباد بينَ الوقائعِ التاريخّيةِ …ومساعي تزييفِ التاريخ :

  • ملاحظة منهجيّة : تكادُ معظمُ الدراساتِ الكرديّةِ التي تتناولُ نهوضَ جمهوريّةِ مهاباد وعواملَ إخفاقها لاحقاً – إلافي حدودِ استثناءاتٍ قليلةٍ – تجتمعُ على عاملٍ واحدٍ و وحيدٍ للانهيارِ الدراماتيكيّ لهذه الجمهوريّةِ ، وهيَ تتقاطعُ بمعظمها مع التصوّر الذي أشاعتهُ القوى الإمبريالية , التي عملت ميدانياً ضدّ ولادةِ هذهِ الجمهوريّة , وبشكلٍ خاصٍ بريطانيا والولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ , اللتان تواجدتا عسكرياً في إيران , ارتباطاً بظروفِ ومساراتِ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ , ولوحةِ التحالفاتِ التي رسمتها الحربُ .
    اذ تغفلُ هذهِ الدراساتُ وضعَ هذا الحدث في سياقهِ التاريخيّ (الموضوعي والذاتي ) ، هذا السياقُ الذي يكتسبُ أهميةً فائقةً , إلى الحدّ الذي يمكنُ إعتبارهُ وفي ترابطهِ الجدليّ بينَ العواملِ الموضوعيّةِ والذاتيّةِ قانوناً أساسياً لنجاحِ أو إخفاقِ أيّةِ ثورةٍ. وهذا خطأٌ منهجيٌّ بالغٌ , في تناولِ الحوادثِ التاريخيّةِ , عندما يُنظَرُ إليها كحدثٍ مجردٍ , مبتورَ الصلةِ بالظروفِ المحيطةِ اقليميّاً ودولياً .
    وفي تجربةِ مهاباد بالتحديد تنهضُ مجموعةٌ من الاسئلةِ في هذا السياقِ من قبيلِ : التجربةِ التاريخيّة المتراكمةِ في قيادةِ مؤسساتِ الدولةِ – حضورُ الفردِ القائد ودورهِ – طبيعةُ القوى الطبقيّةِ التي تستندُ اليها الثورةُ – البرنامجُ الاجتماعيّ والاقتصاديّ للثورةِ – دورُ الحزبِ أو الاحزابِ في تفعيلِ وتثويرِ الواقعِ ، وموقعها في الثورةِ – العمقُ الجماهيريّ والشعبيّ مساحةً واتساعاً – العلاقةُ المتبادلةُ بين الداخلِ والخارجِ / العالمي والقومي / وغيرها ….
    إنّ إغفالَ مجملِ هذه العواملِ والذهابُ باتجاهِ حصرِ العواملِ بمجموعها في عاملٍ خارجيّ أو داخليّ وحيدٍ يفتقرُ – في أقلّ تقديرٍ – إلى الدقّةِ العلميّةِ .
    وفي إطارِ هذه الملاحظةِ المنهجيةِ سنحاولُ مقاربةَ موضوعِ الدراسة…..
  • الظروفُ الموضوعيّةُ لولادةِ الجمهوريّة :
    أرختِ الحربُ العالميّةُ الثانيةُ بظلالها على القضيّةِ الكرديّةِ بشكلٍ واضحٍ , في كلّ من إيرانَ والعراق , الممرّ الحيويّ الذي اتفقتْ عليهِ دولُ الحلفاء , لإمدادِ الجبهة الجنوبيّة للجيش السوفييتي من خلاله , وقد كانتِ القضيّةُ الكرديّةُ آنذاك من أخطرِ القضايا التي تهدّد مصالحَ الاستعمارِ البريطانيّ , بسبب إنتعاش الحركةِ الكرديّةِ في كردستان ايران , وتواجدِ الجيشِ السوفييتي في كردستانَ وأذربيجان , واحتمالاتِ الدعم للأكرادِ في العراق أيضاً , من هنا كانتْ ضغوطاتُ بريطانيا على الحكومةِ العراقيّةِ للتفاهمِ مع مصطفى البرزاني .
    كانتِ القوّات السوفيتيّةُ والبريطانيّةُ والأمريكيّةُ المتحالفةُ قد دخلتْ إيران بتاريخ 20 آب 1941 ، ونصبتْ محمد رضا بهلوي بدلاً من والده الشاه , لكنّ حكومتهُ لم تكنْ لها أيّ تأثيرٍ أو سيطرةٍ على المناطقِ الجنوبيّةِ التي كانت تُهيمنُ عليها القواتُ البريطانيّةُ والأمريكيّةُ , أما المناطقُ الشماليّةُ فقد كانت واقعةً تحتَ سيطرةِ الجيشِ السوفييتيّ, كما أن منطقةَ مهاباد لم تكنْ تحتَ سيطرةِ أحدٍ من قوّاتِ التحالفِ , حيثُ كانَ السوفييت يتواجدونَ في خطّ شمال مهاباد تماماً, بينما بقيَ البريطانيونَ في كرمنشاه التي كانَ يُعترفُ بأنها الحدّ الجنوبيّ لكردستانِ إيران .
    لهذا فقد استغلّ أكرادُ مهاباد في شهرِ أيلول من عام 1942 هذه الفرصةَ لإنشاءِ ( كوملة جياني كردستان – جمعية الإحياء الكردي ) والتي كانَ يقودُها مجموعةٌ من المثقفينَ الوطنيّينَ الكرد أمثال : الشاعر هجار – محمد بامي – رحمن ذبيحي .
    لم تضعْ الجمعيةُ برنامجاً لها ، ولم ترسم أُطرها التنظيميّة رغمَ وضعها شبهِ القانونيّ, ثم انتخبتْ حركةُ كوملة قيادةً جديدةً لها في عام 1943 , واجتازتِ الحركةُ الديمقراطيّةُ في كردستان بنيةَ كوملة , بعد فترةٍ وجيزةٍ , حيثُ كانت بحاجةٍ ماسّةٍ لكوادرَ ذات نظرةٍ سياسيةٍ واسعةٍ , من أجلِ بناءِ تنظيمٍ قائدٍ لعشراتِ الآلافِ من الأعضاءِ الذي يكفلُ صياغةَ برنامجٍ سياسيّ حسبَ متطلّباتِ المرحلةِ ……(1)
    بعدَ ذلكَ وبتاريخ 16 آب 1945 عقدَ القادةُ الأكرادُ اجتماعاً في دارِ الثقافةِ السوفيتيّةِ في مهاباد وحوّلوا – بتشجيعٍ سوفييتيّ – جمعيةَ الكوملة الكرديّة إلى الحزبِ الديمقراطيّ الكردستانيّ ، والذي حدّدَ برنامجهُ في النقاطِ الثمانيةِ التاليةِ :
    1- يجبُ على الشعبِ الكرديّ في إيرانَ أنْ يحافظَ على حكمهِ المحليّ , ويجبُ أن يُعترفَ بحكمهِ الذاتي ضمنَ الحدودِ الإيرانيّة.
    2- يجبُ أن يكونَ التعليمُ باللغةِ الأم بحيث تكونُ اللغةُ الرسميّة كرديةً في الأراضي الكرديّة.
    3- يجبُ أن يضمنَ دستورُ الدولةِ اختيارَ الاداريينَ المحليينَ في كردستانَ عن طريقِ الانتخابِ , ويجبُ أن يكونَ للإداريينَ المختارينَ صلاحياتٍ اجتماعيةً واداريةً .
    4- يجبُ اختيارُ موظّفي الدولةِ من قبلِ الشعبِ المحليّ .
    5- يجبُ إصدارُ قانونٍ عامٍ يكونُ أساساً للإتفاقيّةِ بينَ القرويينَ ومالكي الأراضي ، ويضمنُ حقوقَ كلا الجانبين.
    6- يناضلُ الحزبُ الديمقراطيّ الكردستانيّ من أجلِ وحدةِ وإخوّةِ الشعبِ الأذربيجانيّ , والأقليّاتِ في أذربيجان ( السريانُ والارمنُ …..الخ).
    7- يعملُ الحزبُ الديمقراطيّ الكردستانيّ من أجلِ تطويرِ الزراعةِ والتجارةِ , وتحسينِ ظروفِ التعليمِ والصحّةِ , وتأمينِ تنميةِ الشعبِ الكرديّ من الناحيتينِ الماديّةِ والمعنويّةِ , واستخدامِ المواردِ الطبيعيّةِ بأفضلِ طريقةٍ في كردستانَ .
    8- يريدُ الحزبُ الديمقراطيّ الكردستانيّ أنْ تتحقّقَ حريّةُ الشعوبِ الايرانيّةِ , وتنميةِ الدولةِ بهذهِ الطريقةِ ….(2)
    وبتاريخ 23 كانون الثاني 1946صعدَ القاضي محمد المنصّةَ في ساحةِ (جار جرا –المصابيحُ أو المشاعلُ الأربعة ) مرتدياً زيّاً عسكريّاً سوفيتيّاً – ولهذا دلالته أيضاً – ومعتمراً عُمرةً كرديّةً, وأعلنَ عن ميلادِ دولةِ الكردِ الأولى في العصرِ الحديثِ , وأكّدَ في خطابهِ أنّ الكردَ شعبٌ متمايزٌ , يعيشُ على أرضِ وطنهِ , وله أيضا حقُّ تقرير المصيرِ كسائرِ الأممِ , لقدْ استيقظَ وغدا لهم صديقٌ قويٌّ “.
  • منجزاتُ الجمهوريّة :
    بالرغمِ منَ العمرِ القصيرِ لجمهوريّةِ مهاباد الذي لمْ يدمْ سوى أحدَ عشرَ شهراً فقطْ ، إلّا أنّها حقّقتِ العديدَ منَ المنجزاتِ ، حيثُ أصبحتِ اللغةُ الكرديّةُ ولأوّلِ مرّةٍ اللغةَ الرسميّةَ , وازدادتِ الجرائدُ والصحفُ والكتبُ الكرديّةُ زيادةً لمْ يسبقْ لها مثيلٌ , مثلَ جريدةِ
    “كردستان ” لسانُ حالِ الحزبِ الديمقراطيّ الكردستاني , وجريدةً نسائيّةً “هلالة- Helale” ومجلةً للأطفالِ “بابيل الأطفال “, وتأسّسَ أوّلُ مسرحٍ كرديّ , وبرزَ اسهامُ المرأةِ الكرديّةِ للمرّةِ الأولى في الحياةِ السياسيّةِ والثقافيّةِ , ونتيجةً لإقامةِ صلةٍ فوريّةٍ بالإتحادِ السوفييتيّ أحرزتِ التجارةُ تطوّراً سريعاً ، كما تولّى الكتبةُ الأكرادُ الوظائفَ , التي كانَ الفرسُ والأذربيجانيونَ يشغلونَها من قبل ، وتمّ تشكيلُ قواتٍ عسكريّةٍ وميليشيا ليحلّا محلَّ الشرطةِ ، واستخدمتْ لأوّلِ مرّةٍ كلمةُ البيشمركه …(3)
    كما يُشيرُ الدكتور عبد الرحمن قاسملو أنَّ أبرزَ منجزاتِ الحكومةِ الديمقراطيَّةِ هو التحرّرُ القوميّ الذي نالهُ الشعبُ الكرديّ , بعد هذا الزمنِ الطويلِ , وقامتْ في كردستان وأذربيجان مراكزُ ثوريةٌ أصبحتْ فيما بعد دعامات الحركةِ الديمقراطيّةِ في كافّةِ أرجاءِ إيرانَ ،
    ويضيفُ أنّ أهميةَ حركة 1945 -1946 تكمنُ في أنّها: كانتْ أوّلَ حركةٍ وطنيّةٍ ديمقراطيّةٍ في تاريخِ الأكرادِ , كانتْ موجّهةً ضدَّ الاستعمارِ , وتبنّتْ مصالحَ الشّعبِ , وحاربتْ ضدَّ الإضطهادِ القوميّ ، وفي سبيلِ التحرُّرِ القوميّ للشعبِ الكرديّ بأسرهِ , وكانتْ في الوقتِ ذاتهِ موجّهةً ضدَّ الرجعيَّةِ , ساعيةً لإشاعةِ الديمقراطيّةِ في الحياةِ العامّةِ , ولضمانِ الحقوقِ المتساويةِ لأوسعِ فئاتِ الشعبِ , للبرجوازيّةِ الصغيرةِ والمثقفينَ والفلاحينَ ، ولشغيلةِ المدنِ , فكانتْ أنْ تحركتْ هذهِ الجماهيرُ الشعبيَّةُ كلُّها ….ويمكننا أنْ نلمسَ منْ خلالِ هذهِ الحركةِ برمَّتها روحاً أمميّةً قويَّةً , تُرافقُها روحُ الصداقةِ إزاءَ الأممِ الأخرى , مع احترامٍ وحبٍّ تجاهَ الاتحادِ السوفييتي الجار العظيم , ذلك كلّهُ جعلَ لا القوى الثوريّةَ في إيرانَ فحسبْ , بل في كافّةِ أرجاءِ العالمِ تهبُّ للدفاعِ عنِ الحركةِ في كردستانَ وأذربيجانَ…..
    كما إنّه وفي آخرِ أيامِ حركةِ مهاباد إنضمّ إليها أكرادُ العراقِ البرزانيونَ , وكذلك زارها عددٌ من المندوبينَ من كردستانَ تركيا , وعنِ المناطقِ الكرديّةِ في سورية ، الأمرُ الذي أسبغَ عليها طابعاً قومياً…(4)
  • الموقفُ البريطانيّ – الأمريكيّ من جمهوريّةِ مهاباد :
    دأبتْ بريطانيا – واستمراراً في ارثها الاستعماريّ البغيضِ – المضيَّ قدماً في معاداةِ جمهوريّةِ مهاباد , وكذلكَ محاربةِ البرزاني في العراق الى جانب الحكومات العراقية ، وكذلك كانَ الموقفُ الأمريكيّ ، الذي كانَ يُقدّمُ الدعمَ والمساندةَ للحكومةِ الإيرانيّةِ ،
    صحيحٌ أنَّ الدولتانِ كانتا متحالفتانِ مع السوفييت , لكنّهم كانوا ” الحلفاءَ الأعداء ” الذين أجبرهم جبروتُ النازيّةِ الألمانيّةِ والفاشيّةِ الإيطاليّةِ والعسكريّة اليابانيّة للبحثِ عن حليفٍ قويّ فوجدوا ضالتهم في الاتحاد السوفييتي , فمدّوا أيديهم مكرهينَ إليه , وربّما هذه الحقيقةُ إختزلها ونستون تشرشل في جملتهِ الشهيرةِ : ” سأتعاونُ مع الشيطانِ في سبيل إنقاذِ انكلترا” , ولم يكن هذا الشيطانُ سوى الاتحاد السوفييتي من وجهةِ النظرِ البريطانيّةِ .
    قبلَ ولادةِ جمهوريّةِ مهاباد بسنواتٍ كانَ الموقفُ البريطانيّ واضحاً
    تجاهَ الكُردِ في إيرانَ , والذي تجلّى في مذكّرةِ الاحتجاجِ البريطانيّةِ للسفيرِ السوفييتيّ في لندن, حيثُ قامتْ وزارةُ الخارجيّةِ البريطانيّةِ بتاريخ /21 / كانون الثاني /1942مذكرةً إلى السفيرِ السوفييتيّ في لندن بشأنِ سيطرةِ الأكرادِ على أورمية , جاء فيها :” إذا سادَ الفوضى في تلكَ المنطقةِ فإنَّ قواتنا ستدخلُ لاِستعادةِ الأمنِ والاِستقرارِ إليها ” وأشارتِ المذكّرةُ بأن الموقفَ السوفييتي سيضعُ عثرةً أمامَ تحسُّنِ العلاقاتِ السوفيتيّةِ – التركيّة الضروريّةِ لبقاءِ تركيا في خندقِ المواجهةِ مع ألمانيا , لذلك من الواجبِ السماحُ بإرسال المزيدِ منْ قوّاتِ الجندرمةِ, والشرطةِ الإيرانيّةِ المدعومةِ بالجيشِ إلى تلكَ المنطقة .
    إلا أن السوفييت لم يعطوا آذاناً صاغيةً للبريطانيين ، فمنعتِ القواتُ السوفيتيّةُ في عام 1944 القواتَ الايرانيّةَ من التمركزِ في مهاباد لذلك أصبحتِ الأخيرةُ مركزاً للنشاطِ الكرديِّ ……(5)
    وساقَ السفيرُ البريطانيُّ في مذكرتهِ العديدَ منَ القرائنِ على مساندةِ السوفييتِ للأكرادِ ، منها رفضَهم السماحَ للقوّاتِ الإيرانيّةِ بالتواجدِ شمالَ خطّ قزوين – طهران – مشهد وعدمِ السماحِ للجندرمة الإيرانيّةِ في منطقةِ النفوذِ السوفييتيّ بحملِ السلاحِ .
    أما أمريكا فقد بلغتْ مساعدتَها لحكومةِ الشاهِ حدّ قيامِ السفيرِ الأمريكي في طهرانَ
    ج . آلن بصحبةِ الجنرال رزم آرا رئيس الأركانِ العامةِ للجيشِ الإيراني بزيارةِ جبهةَ القتالِ في كردستانَ مع البرزانيين الذين لم يلقوا السلاحَ , بل اشتبكوا بقتالٍ عنيفٍ غير متكافئٍ معَ القوّاتِ الايرانيّةِ , يقودُهم الملا مصطفى البرزاني الذي كان قائداً للقوّاتِ المسلّحَةِ التابعةِ لجمهوريّةِ مهاباد , وقد أمدّ الأمريكانُ القواتَ الايرانيّةَ بالخبراءِ والسلاحِ الأكثرِ تطوراً وبالطائراتِ وهي تلقي حِمَمها وقنابلها على أطفالِ الكُردِ وعوائِلهم , وقد أبدى البرزانيون مقاومةً باسلةً شديدةً , حتّى أنّ رئيسَ الأركانِ الإيرانيّ أعلنَ قائلاً: ” إنّ الجيشَ الايرانيَّ الحديثَ لم يسبقْ لهُ أبداً أنْ حاربَ ضدَّ عدوٍّ شديدَ البأسِ كهذا ” وفي نفسِ الوقتِ أمرَ الشاهُ – مستفيداً من المساندةِ البريطانيّةِ والامريكيّةِ بإتخاذ اجراءاتٍ حازمةً ضدَّ البارزانيين , وقد جاءَ في أمرهِ الصادرِ في 3 مارت1947 ما يلي : ” تُقصفُ بالطائراتِ والمدفعيّةِ كافةَ المراكزِ التي تُقيمُ فيها عوائلُ البارزانيينَ , ويجبُ أنْ تنتهيَ برمّتِها قبل 4 نيسان 1947 لكي لا يستطيعَ البرزانيّونَ أنْ يَهربوا , وبهذا تنتهي هذهِ الحالةُ المخجلةُ بالنسبةِ للجيشِ “….(6)
    وربّما يختزلُ هذا المقتطفَ منْ كلمةِ القائد ملا مصطفى البرزاني التي ألقاها في 9/1/1948 بمناسبة الاجتماع الكرديِّ الهامِّ في باكو الدورَ البريطانيّ والامريكيّ في إخمادِ جمهوريّةِ مهاباد ,وملاحقةِ قوّاتِ البارزانيينَ بشكلٍ خاصٍ :” جاءتِ الحربُ العالميّةُ الثانيةُ إلى الشرقِ الأوسطِ بإستعمارٍ جديدٍ , وهو الإمبرياليةُ الأمريكيّةُ , ليحلَّ محلَّ الاستعمارِ الانكليزيّ العجوزِ , اذ لمْ تعدْ سياسةُ الاستعمارِ القديمِ تنسجمُ معَ معطياتِ تلكَ الفترةِ , والتحوّلاتِ التي طرأتْ على العالمِ فضلاً عن أنَّ الاستعمارَ الأمريكيَّ الجديدَ من أجلِ الوصولِ إلى أهدافهِ في الشرقِ الأوسطِ , هو التدخُّلُ في أمورِ حكومةِ ( كردستان الديمقراطيّة ) ، في 12( ديكابري ) 1946 والعمل للقضاءِ على حكومةِ أذربيجان الشقيقة , فنجحَ في القضاءِ عليهما معاً , ولو لم يكن قوّامُ السلطنة وأذنابه يعملونَ بتشجيعٍ وعونٍ وارشادٍ من الانجلو – أمريكان لما كانت لديهم المقدرةُ بأيّ حالٍ على النكوثِ عنِ العهدِ , الذي قطعوهُ للجمهوريتينِ بصلافةٍ وبدونِ تردّد, هذه الحقائقُ أصبحتْ واضحةً للملأ واِعترفَ بها رجالُ الحكمِ الايرانيّونَ والأمريكان , وكذلك لو لم يكن ثمّةَ تعاون أنجلو أمريكي في كردستان الحرة , ولو لم يقم هذا التعاونُ بنشاطهِ وبشراءِ ذممِ طوائفَ من الناسِ بدولاراتهِ , والافادةِ من خدماتهمْ في جبهاتِ مهاباد ورضائية ( اورمية ) ضدّ الجيشِ الديمقراطيّ الكرديّ , لما استطاعَ الجيشُ الشاهنشاهيُّ المدمنُ على المخدرات ( الترياكجي ) أن يقاومَ جيشنا البطل بالاسحلةِ الأمريكيّةِ , وبالأعمالِ التخريبيّةِ لجواسيسهمْ وعملائهمْ .
    إنّ القواتَ الإيرانيّةَ الرجعيّةَ مُنيتْ في شهر مارس 1947 بهزائمَ شنعاءَ , في ثلاثِ جبهاتٍ , أمامَ صولاتِ قواتنا البرزانيّة , واُصيبتْ بخسائرَ جسيمة , ولما رأى الأنجلو – امريكان بأنّ الجيشَ الايرانيّ متورطٌ وواقعٌ في مأزقٍ , أشارَ إلى عملائهِ في تركيا والعراق لمساعدةِ هذا الجيش المقهور , فدخلتْ وحداتهما فعلاً الأراضي الإيرانية , خلافاً لكلّ القواعدِ والاعرافِ الخلقيّةِ الدوليّةِ . وأحدثوا مقتلةً عظيمةً في الأطفالِ والنساءِ البارزانيين , عن طريقِ القصفِ الوحشيّ كما ضربوا الحصارَ في الوقتِ عينهِ على جمهوريّة مهاباد سياسياً واقتصادياً , واستخدموا بعضَ العناصرِ الكرديّةِ الخائنةِ التي باعتْ وطنَها , فمن خلالِ هذهِ العناصرِ كانَ يجري تطبيقُ أهداف تلك الحكوماتِ ومن خلالها كانتْ تنفذ دعاياتهم وتثبت …” ….(7)
  • جمهوريّةُ مهاباد والمساعداتُ السوفيتيّة :
    كانَ لدى بعضُ الضبّاطِ والسياسيينَ الروس فكرةً عن مستقبلِ المنطقةِ , والتحوّلاتِ الجاريةِ فيها ، فتمّ دعوةُ ثلاثينَ شخصيةً قياديّةً كرديةً إلى زيارةِ الإتحادِ السوفييتي عام 1941 , وقد شكّلتْ هذهِ الدعوةُ الخطوةَ الأولى لقاضي محمد على المسرحِ الدوليّ , وفي أيلول من العام 1945 دُعيَ وفدٌ كرديٌّ مرةً أخرى إلى الإتحادِ السوفييتي ’ حيثُ تمَّ اختيارُ أعضائهِ وقيادتهِ رسمياً من قبلِ قاضي محمد , وقد وعدَ السوفييتُ في هذا اللقاءِ بمساعدةِ الأكرادِ ماديّاً وعسكريّاً , وقدْ أشارَ القاضي محمد بنفسهِ في الخطابِ القصيرِ في ساحةِ ( جار جرا ) أثناءَ الإعلانِ الرسميّ عن جمهوريّةِ كردستان في الثاني والعشرين من كانون الثاني إلى المساعدةِ التي تلقّوها من أصدقاءَ أقوياءَ, حيثُ كانَ ضابطُ الاتصالِ السوفييتي يرماكوف Yermakov)) حاضراً الحفلَ والذي قَدِمَ من تبريزَ لهذا الأمر ….(8)
    كانَ الصدى الذي تركهُ قيامُ ثورةِ أكتوبر الإشتراكيّةِ العظمى في كردستانِ إيران منَ القوّةِ بحيث أُقيمتْ بمبادرةٍ منَ الجنودِ الروسِ الثوريينَ عدّة سوفييتات في كرمنشاه عام 1918 ومنذُ ذلكَ الحينِ اكتسبتْ ثورةُ أكتوبر الاشتراكيّة العظمى مكانتَها اللائقةِ في أفئدةِ الوطنيينَ الكرد , فالحركةُ الوطنيّةُ الكرديّةُ كانتْ تتنامى وتتعزَّزُ جرَّاءَ أفكارِ ثورةِ أكتوبر وكردِّ فعلٍ طبيعيٍّ على وعودِ الإنكليزِ والحلفاءِ الذينَ غدروا بهمْ في جميعِ المواقعِ والمواقفِ الإنعطافيّةِ .
    ويمكنُ تلخيصُ المساعدةِ السوفيتيةِ للأكرادِ في النقاطِ التاليةِ :
    1- عقدَ القادةُ الأكرادُ إجتماعاً في 16 آب 1945 في دارِ الثقافةِالسوفيتيّة في مهاباد وحوّلوا – بتشجيعٍ سوفييتيٍّ – جمعيةَ الكوملة الكرديّةِ إلى الحزبِ الديمقراطيّ الكردستانيّ .
    2- بعدَ سفرِ قاضي محمد إلى باكو عام 1945 أرسلَ السوفييتُ عشرةَ آلافِ قطعةٍ من بنادقِ برنو التشيكيّةِ لتوزيعها على أفرادِ البيشمركة.
    3- استقبالُ السوفييت لستينَ طالباً كردياً لاعدادهم للعملِ العسكريّ لكي يتمكّنوا من قيادةِ الجيشِ الكرديّ .
    4- قدّم الجيشُ الأحمرُ مطبعةً حديثةً لجمهوريّةِ مهاباد فتمكنتْ من طباعةِ الكتبِ الدراسيّةِ , وأصدرتْ صحيفةً يوميّةً ومجلةً سياسيّةً شهريّةً ومجلتينِ اسبوعيتينِ أدبيتينِ باللغةِ الكرديّةِ , حيثُ ساهمتِ المطبعةُ مساهمةً فعالةً في تطويرِ ونشرِ الثقافةِ الكرديّةِ .
    5- إهداءُ محطّة بثٍّ إذاعيّةٍ , أذيعَ منها صوتُ الجمهوريّةِ الكرديّةِ لكلِّ العالمِ .
    6- كانَ الإتحادُ السوفييتي درعاً قوياً يحمي النضالَ العادلَ للشعبِ الكرديّ , وحتّى قبلَ تنظيمِ القوّاتِ الدفاعيّةِ للجمهوريّةِ الكرديّةِ حاولتِ القوّاتُ الإيرانيّةُ لمرّاتٍ عديدةٍ اختراقَ حدودِ جمهوريّةِ مهابادَ, إلا أنَّ الهجماتِ كانتْ تُصدُّ بحزمٍ في كلِّ مرّةٍ منْ قبلِ القوّاتِ السوفيتية…(9)
    7- التنسيقُ التّامُ بينَ السوفييت والبارزاني حولَ سُبلِ مواجهةِ هجومِ الحكومةِ العراقيّةِ , فلما باتَ واضحاً أنَّ الحكومةَ العراقيّةَ وبدعمٍ مباشرٍ منْ بريطانيا تستعدُّ لشنِّ هجومٍ واسعٍ على كردستان , وبلغَ الوضعُ درجةَ اليأسِ التّامِ قرّرَ البارزاني استطلاعَ موقفِ السوفييت , فأرسلَ (مامند مسيح) في 7/5/1945 الى كردستانِ ايرانَ لدعوةِ ممثلٍ عن السوفييتِ لزيارةِ البرزاني , فاستجابوا للدعوةِ , وأرسلوا ضابطينِ مع مامند إلى برزان , وبعدَ عدّةِ اجتماعاتٍ تمَّ التوصُّلُ إلى تفاهمٍ , ووعدَ السوفييت بدعمِ الثورةِ الكرديّةِ ضدَّ أيّ عدوانٍ ، كما تقرّرَ التنسيقُ مع الكوملة بشكلٍ أكثر فاعليةً وتحديدِ طريقِ خرينة- ده شته هيرت – مركه سور لمرورِ المساعداتِ وفي حالةِ تعذّرِ الاستمرارِ في المقاومةِ ينتقلُ الثوّارُ إلى كردستانِ إيرانَ , وبعدَ عودةِ الضابطينِ السوفياتيينِ إلى إيرانَ بفترةٍ , ذهبَ البارزاني شخصياً الى منطقةِ خرينة , ونزلَ في ضيافةِ (فتاح آغا الهركي ) وإلتقى هناك بالجنرالِ السوفييتي سيامندوف ، وأرسلَ مصطفى خوشناو إلى مهاباد للاطلاعِ على آخرِ المستجدَّاتِ هناكَ ، وعادَ إلى بارزان في10/6/1945 ….(10).
    8- وقد أقضتْ هذه اللقاءاتُ بالسوفييتِ مضجعَ العراقيينَ والبريطانيينَ , فأرسلَ سعيد قزّاز والكابتن جاكسون البريطانيّ دعوةً للقاءِ البرزاني , وقدْ جرى اللقاءُ في مركه سور بتاريخ 17/6/1945 حضره ولي بيك أيضاً ، حيثُ حدثتْ مشادةٌ كلاميّةٌ بينَ البرزاني وسعيد قزّاز الذي كان محافظاً لأربيلَ آنذاك ، حيثُ أشارَ بشكلٍ خاصٍ إلى زيارةِ البرزاني الأخيرةِ إلى الحدودِ الايرانيةِ – العراقيةِ ولقائهِ بالضبّاطِ السوفييت فردَّ البرزاني عليه بغضبٍ قائلاً: ” لقدْ خنتمْ الوعودَ والمواثيقَ , وأغلقتمْ كلّ الأبوابِ , لذلكَ لم يَعدْ في وسعيَ ألا أنْ أطرقَ كلّ بابٍ آخرَ , من أجلِ قضيّةِ الشعبِ الكرديّ العادلةِ , إنّني لم اخشَ تهديداتَ أسيادكَ فكيفَ أخشى تهديدَكَ وأنتَ خادمٌ ذليلٌ لهمْ ” …..(11).
    9- بعدَ إعلانِ بيانِ الوزارةِ العراقيّةِ في 8/8/1945 شرعتِ القوّةُ الجويّةُ العراقيّةُ بدعمٍ واسنادٍ كبيرٍ استمرَّ حتّى النهايةَ منَ القوّةِ الجويّةِ البريطانيّةِ ( R.A.F) بقصفِ منطقةِ برزان , كما أنّ الجنرال البريطاني ( رنتن ) وضعَ خطّةَ الهجومِ على المنطقةِ هذهِ المرّة وقد أبدى الأكرادُ بطولةً خارقةً في هذه المعاركِ ,وبشكلٍ خاصٍّ في المعركةِ التي نشبتْ في 12/9/1945 حيثْ لا الجنرال رنتن ولا جحافلُ الألويةِ ولا القوّةُ الجويّةُ بكلّ ثقلها استطاعوا إحرازَ أيّ نصرٍ , لا بلْ كانتْ هزيمتُهم في هذهِ المعركةِ أقسى وأمرَّ من كلِّ الهزائمِ السابقةِ .
    يذهبُ مسعود البرزاني هنا إلى الظنِّ أنّ مشاوراتٍ جرتْ بينَ (ج- ك – الكوملة ) والسوفييت أيضا , وأنّ الجانبينِ أجمعا على ضرورةِ الانسحابِ إلى كردستانِ إيران للمحافظةِ على هذهِ القوّةِ المجرّبةِ , لترصينِ ودعمِ الانقلابِ الوطنيّ السياسيّ في كردستانِ ايرانَ .
    بناءً على الاتصالاتِ التي تمّتْ معَ زعماءِ الحركةِ الكرديّةِ في كردستانِ ايران والمسؤولينَ السوفييت قرّرَ البرزاني مع رفاقهِ في لجنةِ الحريّةِ , بعد استحصالِ موافقةِ الشيخ أحمد البرزاني التوجّهَ إلى كردستانِ ايرانَ نظراً للظروفِ الجديدةِ المتاحةِ أمامَ الحركةِ التحرريّةِ الكرديّةِ هناك …. جرتِ الاتصالاتُ مع السوفييت مباشرةً وسافرَ عددٌ من معتمدي البرزاني إلى ايرانَ لذلك الغرضِ ، كما أنَّ بعضَ الضبّاطِ السوفييت زاروا البرزاني وكانَ لكلّ من السيّد عبدالله أفندي الكيلاني وشيخ عبيد الله زينو دوراً نشطاً في تأمينِ تلكَ الاتصالاتِ ……….(12)
    عندَ وصولِ البرزانيينَ إلى الأراضي الإيرانيّة ذهبَ البرزاني إلى قريةِ نيركى , حيث كان يقيم قائدُ الجيشِ السوفييتي في المنطقةِ واتفق معه على توزيعِ العوائلِ في قرى مناطقِ : ( مه ركه فه ر – ته ر كه فه ر- شنو- نغده – مهاباد ) وطلبَ منه ارسالَ لجنةٍ طبيّةٍ لمعالجةِ المرضى والجرحى وفعلاً أرسلَ قائدُ الجيشِ السوفييتي في المنطقةِ لجنةً طبيّةً فتحتْ مشفى ميدان في قريةِ كاني سبي وباشرت بمعالجة الجرحى والمرضى …..(13)
    10- قامَ رئيسُ الوزراءِ الايرانيّ قوّامُ السلطنة بزيارةٍ لموسكو عام 1946, وأثناءَ الزيارةِ وقّعَ اتفاقيةً مع ممثلي الحكومةِ السوفيتية , أشارَ أحدُ بنودِها إلى أنّ مسألةَ جمهوريّةِ اذربيجانَ ومهابادَ يجبُ أنْ تُحلَّ بالطرقِ السلميّةِ , وبدونِ استعمالِ القوّةِ …..(14).
    11- بعدَ سقوطِ جمهوريّةِ مهاباد استعرضَ الإتحادُ السوفييتي في مجلسِ الأمنِ المجازرَ التي تعرّضَ لها أكرادُ إيران , وقالَ وزيرُ خارجيّةِ الاتحادِ السوفييتي مولوتوف في مجلسِ الأمنِ الدوليّ ” أنّ لأكرادِ ايرانَ الحقّ في الانفصالِ , وتشكيلِ دولةٍ لهم باعتبارهم يملكونَ مقوّماتِ أمّة …(15)
    12- حسبَ ما ينقلهُ مسعود البرزاني عن محمّد عيسى وغيرهِ ممّنْ كانوا يشاهدونَ زياراتِ الضبّاطِ السوفييت المتكررةِ للبرزاني , بهدفِ التمهيدِ للهجومِ , فقد أرسلوا أربعَ دباباتٍ إلى سقز لإسنادِ قوّاتِ المهاجمينَ لأنّ قوات الجمهويّةِ الكرديّةِ لم تكنْ تملكُ هذا النوعَ منَ السلاحِ ، وحضرَ ضابطانِ كبيرانِ من تبريزَ الى سقز هما : عظيمي وكبيري وتدارسا أمرَ الهجومِ معَ البارزاني وضبّاطهِ , وجرتِ الاستعداداتُ على قدمٍ وساقٍ لتهيئةِ الهجومِ المرتقبِ ، وفي ربيعِ 1946 قُدِّرَ الخطرُ الحقيقيُّ حقَّ قدرهِ عندما أُعطيَ البرزانيونَ أفضلَ الأسلحةِ التي سلّمَها لهمْ الروسُ وأرسلوا إلى الجنوبِ لمواجهةِ أقربِ حاميةٍ ايرانيّةٍ في سقز….(16)
    13- اجتازَ البرزانيونَ في 15 حزيران 1947 نهرَ آراس ودخلوا الأراضي السوفيتيّةَ وقدْ حصلتِ الغالبيةُ العظمى منهم في الاتحادِ السوفييتي على أرفعِ الدرجاتِ العلميّةِ كالماجستير والدكتوراه وتخصّصوا في عدّةِ مسالكَ علميّةٍ , حتّى البرزاني نفسه فقد درسَ في معهدِ اللغاتِ في موسكو وهو في سنٍّ تزيدُ عنِ الخامسةِ والأربعينَ .
  • انتهاءُ الحربِ العالميّةِ والتلويحُ ببنودِ الاتفاقيّةِ الثُلاثيّةِ :

انتهتِ الحربُ العالميّةُ الثانيةُ في أوروبا في 8 أيار 1945 كما هو معروفٌ بهزيمةِ ألمانيا النازيّةِ وإيطاليا الفاشيّةِ وفي آسيا 2 أيلول 1945 باستسلامِ اليابان .
فانسحبتِ القوّاتُ الأمريكيةُ من إيرانَ بتاريخ 1 كانون الثاني 1946 , تلاهُ انسحابُ القواتِ البريطانيّةِ في 1 شباط 1946 أي بعدَ انتهاءِ الحربِ بستّةِ أشهر حسبَ مانصّتْ عليهِ اتفاقيّةُ طهران ، لكنّ الجيشَ الأحمرَ بقيَ في إيرانَ , فاحتجّتْ بريطانيا في الثاني من شباط على عدمِ الانسحابِ السوفييتي , وكذلكَ احتجّتِ الإمبرياليّةُ الأمريكيّةُ في 4 شباط 1946 , وهدّدتْ بالعودةِ إلى إيرانَ إذا لم تنسحبْ القوّاتُ السوفيتيّةُ , كما قامتِ الحكومةُ الإيرانيّةُ في 16 آذار 1946 بتقديمِ مذكّرةِ احتجاجٍ ضدّ الاتحادِ السوفييتي إلى مجلسِ الأمنِ , متذرعينَ بما تضمنتهُ المعاهدةُ الثلاثيّةُ التي وضعتِ الأسسَ القانونيّةَ , ووقعتْ عليها بريطانيا وإيران والاتحاد السوفييتي , في التاسعِ والعشرينَ من كانون الثاني 1942 والتي تشترطُ إجلاءَ الجيوشِ الحليفةِ عن إيرانَ في موعدٍ أقصاهُ ستة أشهر بعدَ انتهاءِ الحربِ , وجرى التأكيدُ عليها في مؤتمرِ القمّةِ الذي عُقِدَ في طهرانَ أيام (28-29-30) تشرين الثاني من العام 1943 لقادةِ الحلفاءِ , ضمّ جوزيف ستالين وونستون تشرشل و روزفلت بحضورِ شاهِ إيرانَ محمد رضا بهلوي .
أمامَ هذا الواقعِ الذي حرّضَ فيه الأمريكانُ – بالاعتمادِ على احتكارهم للسلاحِ النوويّ – حكومةَ إيرانَ فكانَ ذلكَ هوَ الاستفزازُ الأوّلُ على الحدودِ السوفيتيةِ , وهوَ الاستفزازُ الذي افتتحَ به عهدُ ما سُميَ ” بالحربِ الباردةِ ” يُضافُ إليهِ أنّ الاتحادَ السوفييتيّ قدْ خرجَ لتوّهِ من أشدِّ الحروبِ دماراً وفتكاً , حيثُ كلّفتها 30 مليون شخص عدا الخسائرِ الماديّةِ والاقتصاديّةِ , التي طالتِ البُنى التحتيّةَ , والقرى والمدنَ السوفيتيّةَ , فلم تكنْ لديهِ الإمكانيّة للدفاعِ عن القوى الديمقراطيّةِ في إيرانَ
بأكثر ممّا قدّمتْ لها من مساعداتٍ مُتاحةٍ .
ويردُّ الباحثُ العراقيُّ هادي العلوي على إيحاءاتِ البعضِ وتصريحاتهم أحياناً بأنَّ السوفييتَ قد تخلّوا عنِ الأكرادِ والأذربيجانيينَ , من أجلِ إمكانيّةِ الحصولِ على امتيازاتٍ نفطيّةٍ أو غيرِ ذلك بالقولِ : ” ليسَ الأمرُ بهذهِ البساطةِ , فالانسحابُ من شمالِ إيرانَ كانَ أمراً لا مفرَّ منهُ ضمنَ المعادلاتِ التي حكمتْ علاقاتَ السوفييت بالحلفاءِ الغربيينَ إبانَ الحربِ , وليسَ في القضيّةِ تواطؤٌ أو غدرٌ …”…..(17) وهو ما يذهبُ إليه أيضاً الدكتور خوشافي ابراهيم بابكر ممثّلُ الحزب الديمقراطي الكردستاني بموسكو في لقاءٍ مع قناةِ روسيا اليوم .
إذاً لقد كانتِ الأمورُ مرتبطةً أكثرَ بشكوى إيران إلى الأممِ المتّحدةِ , بأنّ السوفييت لا يظهرونَ أيّة بوادرَ بالانسحابِ , في المدّة التي أُتفقَ عليها في المعاهدةِ الثلاثيّةِ , وبدلاً من ذلكَ يعزّزونَ تواجدهم وخاصةً في أذربيجان , فأبدى البريطانيونَ ثم الأمريكيونَ ثم مجلسَ الأمنِ في الأممِ المتّحدةِ قلقَهُم وسلّموا مذكراتٍ رسميّةً إلى موسكو .
أمامَ هذا الضغطِ الكبيرِ وأخذاً بالاعتبارِ الظروف الموضوعيّة الناشئة بسببِ الحربِ على الاتحادِ السوفييتيّ , أعلنَ وزيرُ الخارجيّةِ أندريه غروميكو بأنّ القواتَ السوفيتيّةَ ستغادرُ إيرانَ بحلولِ السادسِ من أيارَ 1946

  • انكسارُ الحلمِ الكرديّ وسقوطُ الجمهوريّة :

دخلتِ القوّاتُ الإيرانيةُ مدينةَ شيراز عاصمة أذربيجان الإيرانية في 11 كانون الأول 1946 , الأمرُ الذي اضطرّ فيه القادةُ الأذريونَ وعلى رأسهم الرئيس جعفر بيشواري اللجوءَ إلى الاتحادِ السوفييتي , وتوجّهَ الجيشُ الإيرانيّ في 15 كانون الأول 1946 نحوَ كردستان أيضاً , مستغلينَ جملةَ الظروفِ التي تمَّ الحديثُ عنها سابقاً .
وبالرغمِ من اقتراحاتِ قيادةِ الحزبِ الديمقراطيّ الكردستانيّ بلجوءِ القاضي محمد إلى الاتحادِ السوفييتي , أو مغادرةِ إيرانَ إلى العراقِ , ومقترح الملا مصطفى البرزاني نفسه بالانضمامِ إلى البرزانيينَ , حيثُ بيَّنَ البرزاني استعدادهُ للعملِ تحتَ اِمرةِ القائد قاضي محمد إلا أنّ قرارهُ كان عدمَ تركِ الشعبِ الكرديّ في إيران يعاني الويلاتَ وحدهُ , فكانَ الاستسلامُ المشرّفُ …..
وقد ادّعتِ الحكومةُ الإيرانيةُ قبلَ ذلكَ إجراءَ انتخاباتٍ عامٍة , وأنّه ينبغي للقوّاتِ الحكوميّة الإيرانيةِ أنْ توجدَ في كردستانَ وأذربيجانَ من أجلِ انتخاباتٍ حرّةٍ , حيثُ دخلَ جيشُ الأمبراطوريّة إلى أذربيجانَ , وبذلكَ انهارتِ الحركةُ الأذريةُ بدونِ أيّ مقاومةٍ تُذكرْ , والتجأ قادةُ الحركةِ إلى الاتحادِ السوفييتي حيثُ انهارتِ الحكومةُ الوطنيّة الأذربيجانية في 17 كانون الأول من عام 1946 , وبعدَ فترةٍ وجيزةٍ دخلتِ القوّاتُ الايرانيةُ جمهوريةَ مهاباد , وذلكَ دونَ مواجهةٍ أو أيّةِ مقاومةٍ جدّيةٍ , وبقيَ جميعُ القادةِ برئاسةِ القاضي محمد في الجمهوريّة , عدا البرزاني الذي هربَ إلى نخدا (nexede) وبعدها إلى مانو (manu) وبعد مضي 66 يوماً على إصدارِ حكمِ الإعدامِ على قادةِ الجمهوريّةّ , نُفّذَ الحكمُ بالقاضي في فجرِ 31 اذار 1947 وهكذا أُسدِلَ الستارُ على أهمّ حدثٍ في تاريخِ الكردِ الحديثِ .
ولكنّ موقفَ القاضي وهو يصعدُ المشنقةَ سيظلُّ نبراساً على مدى التاريخِ , يحفّزُ المتطلعينَ للحريّةِ ليسَ في كردستانَ وحدها بل في عمومِ العالمِ , إذ هتفَ شامخاً : ” إنّكم تستطيعونَ شنقي , ولكنّ كلّ كرديّ هو قاضي محمد , ولنْ ينسى أيّ كرديّ هذا الظلمَ “
ويذهبُ زنار سلوبي في مذكّراتهِ إلى أنّ المرحومَ قاضي محمد كانَ ضحيّةَ سذاجةِ شقيقهِ صدر قاضي حيثُ يقولُ : عندما كنتُ في مهاباد , سمعتُ بنفسي من القاضي محمد رأيه :” أنّ أخي صدر الذي كان نائباً في طهرانَ لا يقتنعُ أبداً , فهو يعتبرُ أن قوّام السلطنة هو رجلٌ ذو نزعةٍ ديمقراطيّةٍ ونصيرٌ للاعترافِ بحقوقِ الأكرادِ, بينما قوّام السلطنة نفسه رجلُ الإنكليزِ وعدوٌّ لدودٌ للأكرادِ”
ويبدو من كلماتِ قاضي محمد هذه أنه استسلمَ للسلطةِ الإيرانيّةِ تحتَ تأثيرِ آراءِ شقيقهِ صدر , الذي صدقَ الوعودَ والمراوغاتِ الكاذبةَ لقوّام السلطنةِ …….(18)

  • عواملُ الانهيار :
    بعدَ استعراضِ جملةِ الظروفِ الدوليةِ والاقليميةِ التي أحاطتْ بولادةِ جمهوريّةِ مهاباد ، يمكنُ التركيزُ على العواملِ التاليةِ ، التي ساهمتْ بهذا الشكلِ أو ذاك في خلقِ المقدّماتِ لانهيارِ الجمهوريّةِ وهي :
    1- الضغوطُ الامبرياليةُ الأمريكيةُ – البريطانيةُ على الاتحادِ السوفييتي ، والتي تسببتْ بانسحابِ الجيشِ السوفييتيّ والعزفِ على بنودِ الاتفاقيةِ الثلاثيةِ ، والتلويحِ بها عبرَ مذكّراتٍ عديدةً في مجلسِ الأمنِ ، وكذلكَ التلويحُ الأمريكيُّ بإمكانيّةِ العودةِ إلى إيرانَ ثانيةً ، وما يحملهُ ذلكَ من إمكانيّةِ صدامٍ عسكريٍّ – نوويٍّ ربّما – بينَ الحلفاءِ والاتحادِ السوفييتي ، يُضافُ إلى ذلكَ واقعُ الاتحادِ السوفييتيّ نفسه الاقتصاديّ والعسكريّ بعدَ سنواتِ الحربِ .
    2- يصفُ الدكتور عبد الرحمن قاسملو الحالةَ العسكريّةَ الكرديّةَ أثناءَ قيامِ جمهوريّةِ مهاباد :<<كانَ كلّ رئيس عشيرة يظنُّ أنَّ الإكثارَ منَ النجومِ على كتفيهِ يزيدهُ قدراً واحتراماً ، ومثالاً على ذلك مَنح شخصٌ يُدعى زير بهادوري وهو رئيسُ عشيرةِ هركي لنفسه رتبةَ مارشال وكانوا يلقبونهُ بالمارشال زيرو ، وأظهرَ هذا المثالُ عدمَ استقرارِ قواعدِ الضبطِ العسكريّ في الجيشِ الشعبيّ…>>.
    3- بروزُ إشكالاتٍ إداريّةٍ في الجمهوريّةِ لعدمِ وجودِ هيئةٍ تشريعيةٍ ، متمثلةٍ في برلمانٍ منتخبٍ ، فكانتِ الحكومةُ تُصدرُ القوانينَ والقرارات الرئيسيّة آنذاك ، وتنفّذُ مهمةَ القضاءِ من قبلِ المحكمةِ العليا ووزارةِ العدلِ ، حيثُ لم يكنْ موقعُ الحكومةِ الجديدةِ معروفاً بعدُ ، هل هي حكومةٌ ذاتُ حكمٍ ذاتيّ محليّ أم هي حكومةُ جمهوريّةٍ مستقلةٍ تماماً …(19).
    4- على خلافِ حكومةِ أذربيجان الإيرانيةِ لم تأخذْ حكومةُ جمهوريّة مهاباد بعينِ الاعتبارِ متطلباتِ العمالِ والقرويينَ ، وتضع خطةّ من أجلِ تنفيذِ الإصلاحاتِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ بعيدةِ المدى .
    5- لم يستطعْ الأكرادُ تحريرَ المناطقِ الجنوبيّةِ سقز ((seqiz، وسنندج (senendej ) ، وكرمنشاه بسبب هيمنةِ الانكليزِ والأمريكانِ على المنطقة ِالموجودةِ بجنوبِ سقز ، من أجلِ ضمانِ الاتفاقيةِ الموقعةِ مع إيرانَ ، لذلك كانتْ جمهوريةُ مهاباد تبسطُ سُلطتَها على الأراضي الكرديةِ من شمالِ سقز وامتداداً إلى المناطقِ الشماليةِ من كردستان إيران ، وكان يعيشُ على هذه الأراضي مليون شخص تقريباً ، وكانتْ تشكّلُ جغرافياً ثلثَ مساحةِ كردستان إيران ، مما أفقدَ الثورةَ الزخمَ والعمقَ الاستراتيجيّ الجماهيريّ والشعبيّ …….(20).
    6- ضعفُ القيادةِ الكرديّةِ وانعدامِ الكفاءةِ السياسيّةِ والتنظيميّةِ لدى غالبيّةِ القياداتِ وعدمِ إمكانيةِ تدريبِ الكوادرِ من الناحيتينِ السياسيةِ والعسكريةِ ، خلالَ حياةِ الجمهوريةِ التي دامتْ أحدَ عشرَ شهراً فقط .
    7- القمعُ الذي مارستهُ حكومةُ طهران ضدّ الحركاتِ التقدميّةِ في أذربيجانَ وكردستان والتي كانتْ تلقى الدعمَ من الأنجلوسكسونيينَ ( ANGIO_SAKSON) ولا سيّما أمريكا .
    8- عدمُ سعي قادةِ الجمهوريةِ إلى خلقِ مقاومةٍ فعالةٍ على غرارِ ما أظهرها البرزاني ، إذا أخذنا بعينِ الاعتبارِ ضعفَ حكومةِ طهرانَ سياسياً وعسكرياً ، والدعمَ الشعبيّ الذي تلقّتهُ جمهوريةُ كردستان .
    9- التركيبةُ الطبقيّةُ للمجتمعِ الكرديّ الذي يغلبُ عليه الطابعُ العشائريّ حيثُ كانَ موقفُ رؤساءِ العشائرِ مُخزياً جداً ، وهذا ما توصّل إليهِ القاضي محمد بنفسه ، حيث يتذكر البرزاني لقاءهُ الأخيرَ مع القاضي محمد مساءَ 16/12/1946 فيقول : << ذهبتُ إلى القاضي محمد ، واستفسرتُ منه عمّا ينوي القيامَ به هو شخصياً ، فأجابَ : إنه ينوي أن يُضحّيَ بنفسه ، من أجلِ أنْ تُحقنَ دماءُ أهالي مهاباد ، وأنّهُ سوفَ يُسلّم نفسهُ إلى الجيشِ الإيرانيّ ، وقالَ لي أنّه أرسلَ وفداً إلى الجنرال همايوني في مياندواآب يخبرهُ بذلكَ ، وطفرتِ الدموعُ من عينيهِ ، وهو يواصلُ كلامهُ : إياكَ أنْ تعتمدَ على أحدٍ غيرَ جماعتكَ ، فكلّ الذينَ حلفوا الولاءَ خانوا وراحوا يتسابقونَ في إعلانِ إخلاصهم للجيشِ الإيرانيّ ، وأنصحكَ بالحذرِ من رؤساءِ العشائرِ الذين سينالونَ منكم ، إذا استطاعوا إليكم سبيلاً، ورجائي أن تغادرَ مهاباد بأسرعِ وقتٍ لتحاشي الاصطدامِ مع الجيشِ الإيرانيّ >>…(21).
    كما أنَّ طاهر خان نجلُ سمكو كانَ قدْ حذّرَ البرزاني منَ الاعتمادِ على وعودِ رؤساءِ العشائرِ وأكدّ بأنهم سيخدعونهُ ، وقالَ : إنّ اتصالاتهم مستمرةٌ بالسلطاتِ الإيرانيّةِ .
    موقفُ رؤساءِ العشائرِ في إيران سيذكّرنا لاحقاً بموقفِ رؤساءِ العشائرِ من الثورةِ في كردستانِ العراقِ ، حيثُ استطاعَ عبد الكريم قاسم أنْ يحرّضَ العشائرَ الكرديّةَ على البرزاني ، ففي ربيعِ 1961 هاجمَ الريكانيّونَ منطقةَ بارزان ، إلا أنّ البارزانيينَ طاردوهم من قراهم حتّى التجأوا إلى تركيا ، وفي شتاءِ 1961 ضربَ الزيباريونَ قرى النسطوريينَ والخالديينَ في منطقةِ سابا ، التي تقعُ ضمنَ الأراضي التابعةِ للبرزانيينَ ، ونتيجةً لذلك اضطرَّ قرابةَ 5000_6000 من الخالديينَ والنسطوريينَ للالتجاءِ إلى عشائرِ البرواري وأثناءَ هذه الأحداثِ استولى البرزانييونَ على أربعِ شاحناتٍ منَ الأسلحةِ والذخيرةِ الحكوميّةِ المرسلةِ للزيباريينَ ، ووقعَ في يدِ البرزانيينَ كذلكَ رسالةَ قائدِ قوّاتِ بغدادَ الجنرال عبدالله الموجَهةِ لزعيمِ الزيباريينَ ، وحصلَ الاصطدامُ الثالثُ في نفسِ العامِ مع عشيرةِ برواري ، حيثُ كانَ زعيمُها تحسين بك قدْ عُيّنَ رئيساً للمنظمةِ الشبابيّةِ للمقاومةِ المحليّةِ التّابعةِ للحكومةِ ، لكنّهمْ لمْ يَصمدوا أيضاً ، وتشتّتوا ووصَلوا إلى تركيا في حين حملَ أحدُ زعماءِ البرواريينَ وهو توفيق بك مع عددٍ من أعضاءِ عشيرتهِ كميةً كبيرةً من السلاحِ والذخيرةِ وانضمَّ إلى البرزانيين …(22).
    10-يشيرُ الدكتور عبد الرحمن قاسملو إلى وجودِ أسبابٍ داخليّةٍ خطيرةٍ أفسحتِ الطريقَ أمامَ هجومِ العدوِّ ، وقدْ أسهمَ الفشلُ لتحقيقِ وحدةِ العملِ بينَ القوى الديمقراطيّةِ في إيرانَ بنصيبٍ في الانتصارِ السّهلِ الذي أحرزتهُ الرجعيّةُ ، أما في كردستان فإنّ حكومةَ مهاباد لم ترفعْ أيّ شعارٍ يعودُ بالنفعِ على الفلاحينَ الذينَ يؤلّفونَ 80% من السكّانِ ، فلم تُوزّعْ على الفلاحينَ بصورةٍ رسميّةٍ حتّى أراضي كبارِ الإقطاعيينَ الذينَ فرّوا من كردستانَ ، وناصبوا الحكومةَ الديمقراطيّةَ العداءَ ، وفي هذا الميدان أيضاً تخلّفتْ كردستان كثيراً عن الحكمِ الديمقراطيّ في أذربيجانَ …
    وبصددِ السّياسةِ الزراعيّة في مهاباد يذهبُ قاسملو : أنّ هذه السياسةَ الزراعيّةَ في كردستان لم تكنْ فقط منسجمةً مع الروحِ العامّةِ للحركةِ ، التي لم تتجاوزْ نطاقَ كونِها حركةً قوميّةً ديمقراطيّةً ، بل إنها منسجمةٌ كذلكَ مع التكوينِ الاجتماعيّ لمؤسسي الحزبِ الديمقراطيّ الكردستانيّ ، فينبغي أن نعترفَ بأن قسماً كبيراً من الملاكينَ في كردستان إيران قدْ لعبوا دوراً في محاربةِ الرجعيّةِ والاستعمارِ ، حسبنا أنْ نلاحظَ بأنّ أكثرَ من 50% من مؤسسي الحزبِ من متوسطي وصغارِ الملاكينَ ، ومن شيوخِ العشائرِ وأفرادها ، وكانَ ثمّةَ عاملٌ آخرَ لعبَ دورهُ في ذلكَ : فقد كانَ جزءاً كبيراً من كردستانِ إيرانَ غير محرّر بعد ، فلم يستطعِ الحزبُ الديمقراطيّ الكردستانيّ أن يتبنّى إصلاحاً زراعيّاً جذريّاً ، لأسبابٍ تكتيكيّةٍ ، وذلكَ في سبيلِ استمالةِ متوسطي الملاكينَ وصغارهم والقبائلِ في كردستان الجنوبية …(23).
    11- الثقةُ التي أُوليتْ لوعودِ الحكومةِ المركزيّةِ دونما أساس ، ولعلّ اعترافَ القاضي محمد بسذاجةِ أخيه في الركونِ لوعودِ قوّام السلطنة يلخّصُ هذهِ الثقةَ ، التي أُعطيت للعدوِّ والرهانِ على وعودهِ .
    12- الاندفاعُ السريعُ وغيرُ المحسوبِ باتجاه الانفصالِ وعلى خلافِ النقطةِ الأولى من برنامجِ الحزبِ الديمقراطيّ الكردستانيّ التي تتلخصُ في أنه يجبُ على الشعبِ الكرديّ في إيرانَ أنْ يحافظَ على حكمهِ المحليّ ، ويجبُ أنْ يُعترفَ بحكمهِ الذاتي ضمنَ الحدودِ الإيرانيّةِ .
    هذهِ العواملُ مجتمعةً أسهمتْ بالزوالِ السريعِ الذي آلتْ إليهِ جمهوريّةُ مهاباد .
  • والخلاصةُ :
    لا يمكنُ تحديدَ عواملِ انهيارِ جمهوريّةِ مهاباد في عاملٍ واحدٍ ، كما يذهبُ بعضُ المتثاقفينَ الذينَ يحلوا لهم إظهارَ أنصافِ الحقائقِ ، في محاولةٍ منهمْ لتزييفِ وقائعِ التاريخِ ، وحقائقهِ الدامغةِ ، فالاتحادُ السوفييتيّ ارتبطَ بالمعاهدةِ الثلاثيّةِ ، قبلَ ولادةِ جمهوريّة مهاباد بسنوات ، وقدّمَ للجمهوريّة ما استطاعَ من مساعداتٍ ، فكانَ عدم التزامهِ مع بريطانيا والشاهِ سيعطي لهؤلاءِ مبرراً لشنّ عدوانِهم للهجومِ على الاتحادِ السوفييتي ، الذي كانَ أمامهُ وبفعلِ ما دمرتهُ الحربُ كمّاً هائلاً من الاصلاحاتِ ، في القرى والمدنِ والمصانعِ المخرّبةِ.
    إنّ عدمَ مبادرةِ الاتحادِ السوفييتي إلى تنفيذِ المهامِ الوطنيّةِ والاجتماعيّةِ لبناءِ ما خلّفتْهُ الحربُ من دمارٍ ، كانَ سيعني سهولةَ تدميرِ الدولةِ السوفيتيّةِ ، لذلكَ فهم لنْ يجعلوا من ثقلِ الامبرياليّةِ الأمريكيّةِ في إيرانَ، ومنْ نظامِ الشاهِ بالذات جسرَ عبورٍ لتهديدِ أطرافِ الإتحادِ السوفييتي .
    إنّ الحربَ الباردةَ التي أعلنتْها الامبرياليّةُ الأمريكيّةُ كانَ الهدفُ منها : تقويضَ الانتصاراتِ السوفيتيّةِ وخلقِ حالةٍ اجتماعيّةٍ ، ومصاعبَ إضافيةٍ وصولاً إلى تقويضِ النظامِ الاشتراكيّ والإجهازِ عليه في الإتحاد السوفييتي .
    وقد أدركَ السوفييتُ هذهِ المساعي الخبيثةَ من قبلِ الدولِ الامبرياليّة فلم يكنْ أمامهمْ سوى الانسحاب .
    أمامَ هذهِ المحاولاتِ منَ الهجومِ على الموقفِ السوفييتي سنضطّر دائماً لإحالةِ أصحابهِ إلى التشريحِ الصائبِ الذي ذهبَ إليهِ أبرزُ قائدينِ كرديينِ وهما : الملا مصطفى البرزاني رئيسُ أركانِ الجمهوريّةِ ، والدكتور عبد الرحمن قاسملو رئيسُ الحزبِ الديمقراطيّ الكردستانيّ في إيرانَ حولَ الدورِ الأمريكيّ _ البريطانيّ في انهيارِ جمهوريّةِ مهاباد ، وعدائِهم السافرِ للقضيّةِ الكرديّةِ في إيرانَ والعراق.
  • المراجعُ والهوامشُ والاحالاتُ :
    1ـ د . عبد الرحمن قاسملو : كردستان إيران – ترجمة غزال اوغلو – دار الشموس – دمشق الطبعة الأولى1999 – ص 48 +49
    ٢ – د . عبد الرحمن قاسملو – كردستان إيران – مرجع سابق – ص 50 .
    3ـ د . عبد الرحمن قاسملو – كردستان والأكراد – دراسة سياسية واقتصادية – المؤسسة اللبنانية للنشر – بيروت ط1 – 1970 – ص 106 .
    4ـ د . عبد الرحمن قاسملو – مرجع سابق – ص 110 +111 .
    5ـ د . جمال ابراهيم – المسألة الكردية بين تآمر الامبريالية ونار الزعامات اليمينية – ص 138+139 .
    6ـ د . عبد الرحمن قاسملو – كردستان والأكراد – مرجع سابق – ص 107-109 .
    7ـ مسعود البارزاني – البارزاني والحركة التحررية الكردية – كاوا للثقافة الكردية – ط2 – ج1 – بيروت لبنان – ص 344 .
    8ـ هارفي موريس و جون بلوج – لا أصدقاء سوى الجبال – ترجمة راج آل محمد – مراجعة وتقديم : هادي العلوي – ص 98 .
    9ـ زنار سلوبي – في سبيل كردستان ( مذكرات ) – ترجمة ر . علي – دار الكاتب – رابطة كاوى للثقافة الكردية – ص 235 .
    10ـ مسعود البرزاني – مرجع سابق – ص 67 .
    11ـمسعود البرزاني – مرجع سابق – ص 67 .
    12ـ مسعود البرزاني – مرجع سابق – ص 203 .
    13ـ مسعود البرزاني – مرجع سابق – ص 89 – 92 .
    14ـ زنار سلوبي – مرجع سابق- ص246 +247 .
    15ـ د . جمال ابراهيم – مرجع سابق – ص 142 .
    16ـ لا أصدقاء سوى الجبال – مرجع سابق – ص 104 .
    17ـ لا أصدقاء سوى الجبال – مرجع سابق – هوامش – ص 99 .
    18ـ زنار سلوبي – مرجع سابق – ص 248 .
    19ـ د . عبد الرحمن قاسملو – كردستان إيران – مرجع سابق – ص 53 .
    20ـ د . عبد الرحمن قاسملو – مرجع سابق – ص 56 .
    21ـ مسعود البرزاني – مرجع سابق- ص 227 .
    22ـ زنار سلوبي – مرجع سابق – ص 257 +258 .
    23ـ د . عبد الرحمن قاسملو – كردستان والأكراد – مرجع سابق – ص 112 +113 +114 .
  • – مقال سينشر في كتابي الجديد بعنوان : حوارات .. ومقالات في السياسة والأدب .

        * إعداد : خورشيد أحمد

اترك تعليقاً

Scroll to Top