🌐في قهوة….ع المفرق
——————————–
في مساء دمشقي حميم … وقف شاعر داغستان العظيم (( رسول حمزاتوف ))على أرض الشام وراح يُطلق غيومه الشعرية –تماما ً كالبحر – في سماء أرواحنا ، وكما يُطلق راع أغنامه في البراري ، لكن غيمة صغيرة هطلت كلماتها على روحي مطرا ً دافئا ً وحنونا ً ، لم أعد أذكرها قطرة .. قطرة .. ولكني ما زلت أذكر معناها العام بحيث يمكن أن تكون على الشكل التالي :
ليست روسيا أعظم الأمم
وليست ألمانيا أعظم الأمم
وليست أية أمة في الوجود .. هي أعظم الأمم
فقط …امة الحب .. هي أعظم الأمم.
انتهى الشاعر من قصيدته وابتدأت عاصفة من التصفيق الطويل ، حتى أن رسولا ً ابتسم وقال : ( إذن كلكم تطلبون اللجوء السياسي إلى دولتي هذه…؟!!!) فاشتعل التصفيق مرة أخرى … وكاد ألا ينتهي ..
خرجت من الأمسية والقصائد قد عششت في روحي ، وأنا أتساءل : متى ستمتد أغصان هذه الدولة ليفيء تحتها ظبيان عاشقان وهما لايخافان القبلة ودون أن يطاردهما ( بينوشيت ) من أي لون كان ، سياسيا ً..أو اقتصاديا ً .. أو اجتماعيا ً ..؟؟ ولا أخفيكم بأن الخيال والأحلام قد اشتطت عندي كثيرا ًحيث حلمت بأن أصبح الرئيس الأعلى لهذه الدولة ، بالطبع ليس عبر انقلاب عسكري ..ولا عبر التآمر على زملائي العشاق.. ولكن عبر صناديق الاقتراع حيث أتمكن من الحصول على أكبر عدد من القبل ، وكتابة أكبر عدد من القصائد ، ثم أسير في شوارعها راقصا ً ومغنيا ًوناثرا ً الورد على المارة ، فلا أجد امرأة تضيء ًإلا وأرفع لها قبعتي ، وأتناول يدها مثل زهرة لأقبلها ، كما يقبل المؤمن كتابه المقدس قائلا ً لها : يا أمي ..!!
وأنحني كلما رأيت طفلا ً أقبله ، صارخا ً: هذا وطني الأبدي ..!!وحين أصادق ياسمينة دمشقية أركع على ركبتي وأسجد مقبلا ًجذورها.. لابل سأطيل السجود وأهمس لها : حبيبتي …! ولن أنهض حتى تغطيني دموعها البيضاء ، ويوقظنيي نداء عصافيرها ، وأصعد في كل ليلة قمة من قمم جمهوريتي فأضرم النار للوحوش والضواري والنجوم مناديا ً: يا اصدقاء هلموا .. وأنا أنفخ في ناي المحبة..!!
وفي كل صباح سأقف مع شعبي العظيم العاشق ، مع الوردات مع العصافير والفراشات أمام علم أحمر تتوسطه زهرة ياسمين بيضاء ننشد نشيدنا الوطني اليومي :
(في قهوة ‘ع المفرق ..
في موقدة وفي نار
نبقى أنا وحبيبي ….
نفرشها بالأسرار
جيت لقيت فيها …
عشاق تنين زغار
قعدوا على مقاعدنا
سرقوا منا المشوار)
نعم هذا هو النشيد الذي سننشد!! كلما أضاءت نجمة في السماء ..وكلما تلألأت حبة عرق في جبين شغيل وكلما لامست يدٌ يدا ً.. إذ ليس من الضروري أن يكون نشيدنا صاخبا ً وضاجا ًوكلماته مجلجلة ..! نشيدنا فراشة ..بل وما المانع أن يشوبه شيء من الحزن الخالد الجميل، فدائما ً سيكون هناك هناك عشاق يمضون ويرحلون ، ليأتي بعدهم عشاق يحتلون مقعدهم ويفرشون أسرارهم ويسرقون القبل اللذيذة كما يسرق أطفال القرى أكواز الذرة او عناقيد العنب في غفلة من النواطير … المهم أن الحب لن ينتهي وإن رحل العشاق ومضوا إلى هناك إلى البعيد..!
(متل السهم الراجع من سفر الزمان
قطعت الشوارع ما ضحكلي إنسان
كل صحابي كبروا وتغير اللي كان
صاروا العمر الماضي ..صاروا دهب النسيان )
ربما يعترض البعض على هذا المقطع في نشيدنا ولكني أرى أن ما يغفر له هو ما يختزنه من جمال شعري في الصورتين الشعريتين الفريدتين ( متل السهم الراجع من سفر الزمان – دهب النسيان ) واللتين يعجز عنهما غالبا ً شعراء كبار في الكلام الفصيح وفي شعر الحداثة ..فنحن ولأننا عشاق فإننا نقطف الجمال حتى من على شجرة الليل..
وأتخيل أيضا ً أننا في الصباح ونحن ننشد هذا النشيد وقد وزعنا في كل أراضي جمهوريتنا الحرة والمستقلة مضخات للصوت ..وصوت فيروز ينطلق منها حمامات بيضاء ليغطي سماءنا ونحن نغني معه :
(يا ورق الأصفر ..عم تكبرعم تكبر
الطرقات البيوت .. عم تكبر عم تكبر
بتخلص الدني .. وما في غيرك با وطني
بتضلك ..طفل زغيّر)
ويومها أنا متأكد بأن التلوث البيئي سيكون في خبر كان.. وسيكون بوش قد فطس وأولاده من المجتمع المدني ومن الجنرالات ومن اللحى المغمسة بالبارود ، ومن جماعة( 14) شباط قد صاروا في مزبلة النسيان.. ويومها سترون كيف سينسد ثقب الأوزون
نضال الماغوط
عن جريدة صوت الشعب العدد / 167/ 25 آب/2007