♦الصين .. نظام رأسمالي ،أم ( اشتراكية قائمة بالفعل )؟؟!
.
بهذا العنوان الاشكالي يبدأ الباحثان ريكاردو أيالا وفيليب أليجريا دراستهما المطولة حول الصين، ورغم تحفظي على بعض التوجهات الفكرية لكليهما ،إلا أنهما في السياق العام امتثلا بشكل مقنع للقانون العام للتراكم الرأسمالي لماركس وأخذاه كمنهجية واضحة لهما في الدراسة .
هذا القانون الذي وصفه كارل ماركس في مجلده ( رأس المال ) بأنه يحدد تراكماً للبؤس يعادل تراكم رأس المال ، فحين تتراكم في أحد القطبين الثروة ،يكون هناك بالضرورة في القطب المقابل تراكماً للبؤس وعذابات العمال والعبودية والاستبداد والجهل .
إذا .. كان المدخل صحيحاً، حين تسلحا بمنهجية قانون ماركس ودخلا دهاليز السوق والنشاط الاقتصادي والاجتماعي في الصين ليحسما الجدل القائم بالتحليل والاقناع وبالأمثلة والاحصائيات التي تعطي دراستهم أسباب القوة والتمكين .
بداية، يرفض الباحثان رفضاً مطلقاً مقولة ( اشتراكية بخصائص صينية ) ويران فيها تعبيراً وظيفياً لتبرير وتجميل استعادة الرأسمالية في الصين والتي بدأت في نهاية السبعينيات من القرن الماضي .
وهذا الرفض لا يأتي اعتباطياً، أو لأسباب سياسية طارئة، وإنما نتيجة الرصد العميق للتراكم الذي يحدث في قطبي العملية الاقتصادية ( الثروة والعمل ) .
.
أولاً – لنراقب ما حدث ويحدث في قطب الثروة ( تركز الثروة والملكية في الرأسمالية الصينية ) :
.
- في نهاية عام 2020 امتلك فاحشو الثراء في الصين ثروة ما مقدارها 4 تريليون دولار، وهي أكثر من الناتج المحلي لألمانيا ( ثالث أكبر اقتصاد في العالم ) ،وتتصدر عائلة “جاك ما ” صاحب شركة علي بابا تلك القائمة المرعبة بثروة تعادل حجم الاقتصاد الروسي (أكثرمن 2 تريليون دولار ) .
الباحثان يران أن ثروة عائلة ” جاك ما ” تتضاعف بنفس الطريقة التي تتضاعف بها ثروة المليارديرية الأمريكان وغيرهم من المليارديرية الامبرياليين .
إذاً .. بنفس الطريقة التي تضاعفت بها ثروة بيزوس وايلون ماسك أيضا تضاعفت ثروة جاك ما مع ازدهار سوق الأسهم وإعلانات التكنولوجية الضخمة
فلماذا بيزوس امبريالي وجاك ما وليد اقتصاد اشتراكي …؟ - ” زونغ شانشان ” المساهم الرئيسي في شركة الأدوية الصينية العاملة في مجال اللقاحات أصبح بعد أزمة كورونا أغنى رجل في آسيا بثروة مقدارها 85 مليار دولار، فكما ضاعفت شركة فايزر الامبريالية من أرباحها بسبب احتكار وبيع لقاحات كورونا، أيضاً وبنفس الأسلوب ضاعفت شركة الأدوية الصينية من أرباحها .. فما الفرق ..؟
- بكين ولست سنوات متتالية كانت عاصمة ” المليار ” حيث كان يتواجد فيها 145 مليارديراً
والصين تمتلك 6 مدن على مستوى العالم من أصل 10 مدن يتركز فيها أكبر عدد للمليارديرية . - ” سوق التبادل التكنولوجي الصيني ” والذي يعادل ( ناسداك ) ولّد 13 مليارديراً جديداً من بينهم ” زوانغ يمينغ ” مؤسس ( تيك توك ) والمساهم الأكبر فيه ، والذي يصنف ضمن قائمة أغنى 30 ثرياً في العالم بثروة قدرها 60 مليار دولار .
وهنا يتوقف الباحثان حول قضية هامة .. وهي أنه ليس رجال الأعمال الصينين وحدهم راكموا الأموال في السوق الصينية، بل أيضاً شركاؤهم وأصدقاؤهم الغربيين ويأتون بأمثلة على ذلك فصناديق الاستثمار الأمريكية الكبرى ( بلاك روك ) و ( فانغارد ) و ( ستيرت ستيت ) تمتلك حصصاً تبلغ 10% من أسهم الشركات الخاصة الكبرى في الصين وكذلك أسهماً في الكثير من الشركات الصينية المملوكة للدولة ويجنون من ورائها مليارات الدولارات ، وقس على ذلك عدد كبير من الشركات الاحتكارية الغربية الأخرى . - في أوائل التسعينات كانت نسبة الثروة التي يمتلكها أغنى 10% من السكان تتراوح بين 40-50% من الناتج المحلي الاجمالي، بينما في عام 2018 نمت هذه النسبة لتصل إلى حوالي 70% .
.
ثانياً – لنتفحص في الجانب الآخر من تراكم الثروة وهو تراكم البؤس :
.
يبدأ الباحثان هنا باستنتاج .. أنه لا يمكن لتراكم الثروة أن يتواجد دون نقيضه، لأن الرأس المال يتراكم من خلال الضغط على العمال .
وبالتالي هذا التراكم الكبير للثروة يقابله الاستغلال المفرط للعمال ولا سيما العمال الريفيين والمهاجرين . - تتكون القوة العاملة الصينية من أكثر من 800 مليون عامل، من بينهم هناك 600 مليون يعيشون على دخل شهري يبلغ 1000 يوان ( حوالي 157 دولار ) أو أقل وذلك حسب رئيس مجلس الدولة الصيني ” لي كه تشيانغ ” عام 2021، أي أكثر من 40% من سكان البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة يعيشون على حوالي 5 دولار في اليوم .
- نائب مدير المعهد الوطني الصيني للبحوث الاقتصادية ” وانغ شياو لو ” صرح أن نصف عمال الصين والبالغ عددهم 400 مليون عامل هم من العمالة المهاجرة وخاضعين لنظام ( هوكو )وقد تم استبعادهم من نظام الضمان الاجتماعي الحضري، كما أنهم لا يتلقون أية خدمات عامة ، وأقل من 30% منهم فقط مشمولين ببرنامج التقاعد، هذا يعني أن مئات الملايين من من العمال الريفيين المهاجرين يعانون من ظروف غير انسانية ،حيث لا يتلقون أي من الخدمات العامة ويتم استبعاد 70% منهم من نظام الضمان الاجتماعي الحضري .
.
ما هو نظام ( هوكو ) ..
.
هو نظام احصائي يعتمد على مكان ولادة الأبوين ،بمجرد أن يترك العامل قريته يصبح مرتبطاً بنظام ( هوكو ) ،نظام التصريح السكني التقييدي .
تقسم الصين شعبها منذ الولادة إلى حضريين ( سكان المدن ) وريفيين ومدون في تصريح الإقامة ويرافق الأفراد مدى الحياة، ونتيجة لظروف الريف الصعبة يضطر مئات الملايين من العمال والشباب إلى الهجرة إلى المدن الصناعية بحثا عن فرص عمل ودون إقامات حضرية وبالتالي حرمانهم من الخدمات العامة ابتداء من المعاشات التقاعدية وصولا إلى التعليم .
ووفقا للمعطيات الرسمية فلكي يحصل العامل المهاجر على حق التقاعد عليه الاستمرار بالاسهام في نظام التقاعد الريفي في البلدة التي تم تسجيله فيها ليحصل في نهاية خدمته بعمر الستين سنة على راتب تقاعدي شهري مقداره 55 يوان أي أقل من 9 دولار، بينما في المقابل العامل المسجل في المناطق الحضرية يحصل على 2362 يوان أي ما يعادل 370 دولار شهرياً .
في نهاية الفقرة الأولى من هذه الدراسة يصل الباحثان إلى استنتاج واضح وهو :
بغض النظر عن وجود الحزب الشيوعي الصيني في الحكم ،العلاقات الاجتماعية الصينية هي علاقات رأسمالية احتكارية، يحسمها استغلال الطبقة العاملة ومراكمة الرأس المال سواء في الشركات التي تسيطر عليها الدولة أو في شركات القطاع الخاص .
إعداد سليمان أحمد