أفلام خالدة
المدرعة بوتيومكين
منذ ظهور مدرسة الواقعية الاشتراكية في الادب والفن التي اسس لها الكاتب السوفييتي الكبير مكسيم غوركي- كضرورة ووسيلة من وسائل الصراع مع البرجوازية وفنونها وآدابها وكضرورة للتعبيرعن آمال وتطلعات وقيم طبقة ثورية صاعدة وهي الطبقة العاملة
منذ بدء ظهور هذه المدرسة شحذ منظرو الادب البرجوازي أقلامهم المسمومة لمحاربتها ومحاربة رموزها ومبدعيها في محاولة للحط من قيمتها الفنية والفكرية- رغم ما قدمته من أعمال رائعة ورائدة في كافة مجالات الادب والفن وغيرها من ضروب الابداع
▪المدرعة بوتيومكين
يعتبر فيلم المدرعة بوتيومكين قمة من قمم السينما العالمية ومن خوالد فن الواقعية الاشتراكية وقبل الحديث عن هذا العمل الفني الكبير لا بد ان نعرف وجهة نظر مبدع العمل عن الفن والاساس الفكري والسياسي الذي انطلق منه
▪يقول ايزنشتاين:
(اذا كانت الثورة قد جعلت مني فنانا فان الفن ادخلني الى صلب الثورة ان التعمق في دراسة تاريخ الحزب والماضي الثوري للشعب الروسي قد منحني ذلك الافق الفكري الذي يستحيل بدونه قيام فن كبير وبوسعي القول بان السلطة السوفييتية اعطتني كما لسائر الناس كل شيء فهل يعقل بعد ذلك ان ابخس حق وطني علي.. انني ككل واحد منا اهب وسوف اهب ذاتي كليا لوطننا للقضية العظمى قضية بناء الشيوعية )
▪وهذا يعني أن ايزنشتاين قد وقف ضد المقولة البرجوازية عن الفن والتي لخصها السياسي البورجوازي (مترنيخ) بقوله
(يجب تسميم الشعب بالخمر والفن كيلا يكون لديه وقت للتفكير)
أي أنه وقف ضد الفن المدمر للوعي الذي يضلل ويشوه ويدعو للسكونية والاغتراب عن الواقع ا
ووقف مع الفن الذي يبني مجد البشرية ويوقظ وعيها من اجل الامتلاك المعرفي للواقع وتغييره ،ولم يقف ايزنشتاين مع الفن النظيف فحسب بل ومارسه في مجال السينما التي قال عنها لينين بانها احدث الفنون واثراها واهمها بالنسبة لنا
لذلك لم تستطع البرجوازية الا ان تقاوم وتمنع اعمال ايزنشتاين وتعمل مقصاتها في افلامه… ان البرجوازية بكل(ديمقراطيتها) المزعومة وتشدقها بحرية الفن والابداع والفكر ..لم تستطع الا ان ترتعد امام نتاجات هذا المبدع الذي انتج افلاما مثل (لاضراب- اكتوبر- الخط العام- ايفان الرهيب- الكسندر نيفسكي- تحيا المكسيك) والاخير صور اثناء زيارة قام بها ايزنشتاين الى امريكا والمكسيك ولكن الفلم لم ير النور رغم تصوير 70 الف متر من الشريط
وكان فيلم المدرعة بوتيومكين قمة ابداعه وعلامة فارقة في السينما العالمية والذي اخرجه عام 1925.
كان غرض ايزنشتاين اخراج فلم عن احداث ثورة عام 1905 (/ اضرابات القفقاس والاحد الدامي وانتهاء باحداث (كراسنايا بريسنا) وقد تضمن السيناريو مشهدا للانتفاضة التي قامت على متن المدرعة بوتيومكين لكن ايزنشتاين تخلى عن بقيةالاحداث ا وخصص الفلم لانتفاضة البحارة في المدرعة .
▪في اللقطة الاولى نرى مشهد (موجة عارمة تصطدم بصخرة فتتناثر ملايين القطرات بينما في لقطة الختام نجدان مقدمةالسفينة تتجه نحو المشاهد وهي ماضية نحو الخلود) يستحوذ الفلم على المشاهد وقد حور الفنان بعض الاحداث التاريخية اذ ترفض قطع الاسطول اطلاق النار على المدرعة ومن المعروف ان المدرعة بوتيومكين قد احتجزت وان ثورة عام 1905 قمعت ولكن الفنان العبقري قال من خلال فيلمه ان الثورة لا تقهر وان الشعب خالد ابدا ويبدا الفلم رحلته على شاشات االسينما في العالم لكنه أثار موجات من الحماس والخلافات والمعارك وأصبح محورا لعشرات الدراسات كما عرض في الاحياء العمالية في الغرب وحقق شهرة واسعة للمخرج وللسينما السوفيتية وحيا المثقفون التقدميون في انحاء العالم الفلم وجمهورية السوفييتات وكتب للفلم اشعارا وقصص ورسمت لوحات و نحتت تماثيل
▪ وتحدث (فيختفانغر )عن تاثير الفيلم في روايته ( النجاح)
▪قال عنه الفنان الشهير شارلي شابلن انه 🙁 افضل فلم سينمائي في العالم ) واختارته الأكاديمية الأمريكية كافضل فيلم لعام 1926 كما حصل على جائزة ( الميدالية الذهبية الكبرى) في معرض الفنون بباريس الا ان ما ميز الفلم هو قوة تاثيره على الجماهير ودفعها الى الفعل والمقاومة فقد قام بحارة سفينة ( المحافظات السبع ) الهولندية بالانتفاضة بعد مشاهدتهم الفلم .
▪عندما احس الرجعيون بقوته الثورية وقفوا ضده بكافة الاساليب والاشكال ففي المانيا اثيرت ضده دعوى قضائية بوصفه عملا ( يساعد على احداث انقلاب ) وفي كافة الدول الراسمالية اعمل الرقباء مقصاتهم في الفلم لتحذف منه بعض المشاهد
▪عند زيارة ايزنشتاين لامريكا وزع اعضاء منظمة (الكوكلوكس كلان ) الارهابية منشورات طالبوا فيها بطرد المخرج ( الاحمر ) وقالوا بانه (اخطر من فرقة جنود حمر) ولكن البرجوازيين وحتى الفاشيين لم يتمكنوا الا الاعتراف بالفلم وبقوته
وقد دعا غوبلز وزير الدعاية الهتلري السنمائيين الفاشست الى ان يضعوا (بوتيومكين ) خاصة بهم وعندما سمع ايزنشتاين بذلك فضح خسة هذه الدعوةفي ( رسالة مفتوحة الى غوبلز ) نشرتها الصحف السوفييتية وقتها اكد فيها ان الانتاج الفني السامي امر لا يقدر عليه الا الفنان القريب من الشعب والذي تلهمه افكار الثورة
▪ويستمر عرض الفلم حتى يومنا هذا في العديد من الاكاديميات باعتباره من خوالد فن السينما في العالم ففي عام 1954 عرص بباريس لعدة اشهر تحت عنوان ( خيرة افلام العالم) وحصل على لقب(أفضل فلم لكافة الازمنة ) مرتين الاولى عام 1954 والثانية عام1958 وذلك في استفتائين دوليين اجرتهما مكتبة السينما الوطنية ببروكسل وطلب حينها من 117 ناقدا سينمائيا من كافة بلدان العالم وضع قائمة باحسن ثلاثين فيلما اخرج في العالم وقد ادرج 108 نقاد المدرعة بوتيومكين في قوائمهم وبذلك حصل الفلم على المرتبة الاولى متقدما على الفلم التالي بعشر اصوات
▪خاض عديد من السينمائيين في مختلف البلدان نضالا كبيرا من اجل عرض الفلم في بلادهم كما فعل السينمائيون اليابانيون الذين خاضوا نضالا عنيدا لعرض الفلم في عدد من النوادي والصالات العماليةعامي 1957-1959
▪فيلم المدرعة بوتيومكين من الافلام الصامتة وباللونين الابيض والاسود لان تقنية السينما الملونة والناطقة لم تكن موجودة في روسيا السوفييتية يومها فحتى الراية الحمراء التي كانت تخفق على سارية السفينة لونها المخرج يدويا ورغم الزمن فإن اهمية الفيلم لا تنقص بل تزداد كمرجع للدراسة وكملهم لمبدعي السينما الجادة في كافة ارجاء العالم.
(إعداد: علي أحمد)