: خورشيد أحمد
——————————————————————
الحلقة السابعة.
تركيا وقضايا المياه مع دول الجوار .
في تقريرٍ نشرته وكالةُ المخابرات المركزية الأمريكية( CIA ) في أواخر العام ١٩٩٣ حدّدت فيه عشر مناطق من العالم ستشهدُ صراعات ومواجهات بشأن المياه ، ويقع الوطن العربي في قلبِ تلك المناطق ، وقسّمَ التقرير المناطق المرشّحة للدخول في صراعات ومواجهات ، وفيها منطقة الشرق الأوسط إلى ثلاث مستوياتٍ من الخطر .
المستوى الثاني من هذه المستويات هي مناطق محفوفة بالمخاطر ، وقد تدخل دائرة الخطر الفعلي ، وتقع في هذه الدائرة حوضُ دجلة والفرات في كلّ من سوريا والعراق .
كما أنّ جميع التقارير تشيرُ إلى أنّ الحروب القادمة ستكوزُ حولَ المياه ، وذلك نظراً لتفاقم مشكلة المياه ، مع إزديادِ النموّ السكاني في المنطقة ، ومع التوقّعات البيئيّة التي تقول : إنّ مناخ المنطقة سيشهدُ تقلباتٍ حارةً وموجة جفاف ، ستؤدي إلى انخفاضٍ حاد في منسوبِ المياه في الأحواضِ المائية المكشوفة والجوفية عل السواء .
وبعد انهيار الدولة العثمانية في أواخرِ الحرب العالمية الأولى وقّع الحلفاء مع حكومةِ السلطان الخامس معاهدةَ سيفر ١٩٢٠ ، وبموجب هذه المعاهدة احتفظت تركيا بأراضٍ عربية تضمنت حوضَي نهري سيحان وجيحان ( كيليكيا ) ومقدراته المياه على سفوح طوروس الجنوبية ( مرعش وديار بكر ، ثم عقدت تركيا مع فرنسا بصفتها الدولة المنتدبة على سوريا إتفاقية أنقرة ، تخلت فيها فرنسا لتركيا عن اراضٍ جديد شملت : عنتاب – كلّس – اورفة – ماردين – جزيرة إبن عمرو ، وجرى تر سيم الحدود سياسيًاً إلى الجنوب من خط الحدود الطبيعي وهو ( مقسم المياه في طوروس ، ولم تكتفِتالحكومة التركية بهذا التوغل بل طالبت بمنطقتي الموصل العراقية واسكندرون السورية .
لكنها وفي إطار التوازناتِ الدولية آنذاك إعترفت بالموصل عراقيّاً ١٩٢٦ ، وتمكّنت من سلخِ لواءِ اسكندرون بتواطؤٍ صارخٍ من فرنسا ١٩٣٩ .
ومنطقة اسكندرونة تشكّلُ حوضاً مائيّاً مهمّاً تتوسّطهُ بحيرةُ العمق ، وتنتهي إليه ثلاثةُ أنهارٍ هي : عفرين – الأسود – عاصي ، وهكذا سيطرت تركيا على أعالي دجلة والفرات وعلى مجمل حَوضَيْ سيحان وجيحان ، والمجمّع المائي في الإسكندرونة ، إضافةً إلى أغلبِ أنهارِ قويق ، الذهب ، الساجور ، بليخ ، الخابور ( والثلاثةُ هي من روافدِ الفراتِ في سورية ) .
ونظراً إلى توسّعِ خططِ التنمية في جميعِ دول الشرق الأوسط ، فقد أصبحَ الماء يشكّلُ محوراً للنزاعاتِ ، واساساً في سياساتِ الدولِ ، وعلاقاتها فيما بينها ، ومسرحاً للصراعِ الجيوبوليتيكي القائمِ في المنطقة .
فبالرغمِ من أنّ ٤٢٠ كم فقط من طولِ نهرِ الفراتِ هو في الأراضي التركية ، والبالغِ ٢٣٠٠كم ، منه ٦٨٠ كم في سوريا ، و١٢٠٠كم في العراق ، تتصرّفُ فيه تركيا كما لو كانِ نهراً داخليّاً صرفاً .
فبعدَ إقامةِ تركيا مجموعةً من السدودِ على نهرِ الفراتِ اكتملَ بناؤها عام ٢٠٠٥ ، انخفضَ الصبيبُ المائي السنوي من ٣١،٤ مليار م٣ عندَ دخولهِ الحدود السورية إلى ١٥ مليار م٣ ، حيثُ بلغَ ما اختزنتهُ هذه السدود ٩٠ مليار م٣ مقابلَ ١٦ مليار يختزنهما سدّا الفرات وتشرين في سوريا ، و١٢ مليار يختزنهما سدّا حديثة والقادسيّة في العراق ، وهذا يعني أنّ ما تختزنهُ السدود التركية يفوقُ ثلاثةَ أضعافِ ما تختزنهُ السدودُ السورية والعراقية ، أي أنّ حصّة تركيا من مياهِ الفراتِ تفوقُ أضعافاً مضاعفة حصّتي سوريا والعراق خلافاً للقانون الدولي الذي يحكمُ بقسمةٍ منصفةٍ وعادلةٍ للمياه بين الدولِ المتشاطئةِ ، ويعني هذا أنّ السدودَ السورية والعراقيةَ باتت دونَ جدوى ، وفقدت فوائدها كمشروعاتٍ للتنميةِ الاقتصادية والاجتماعية .
يقدّمُ نهر دجلة والفرات نموذجاً حيّاً لكافةِ المخاطرِ التي تتعرّضُ لها دول الممر والمصب / سوريا والعراق/ من جرّاءِ سياسات وبرامجِ دولةِ المنبع / تركيا / ، وقد ولّدت هذه السياسات والبرامج التركية مشكلةً جدّ حادة ، بدأت في العام ١٩٨٢ ، وهي مرشّحة لزيادةِ التأزّم والتعقيد ، وتتمثّلُ تلكَ المشكلة في مشروع جنوبي شرق الأناضول
/ غاب / الذي أقامتهُ تركيا على منابعِ نهري دجلة والفرات ، حيث كانت تركيا تستغلّ قبلَ المشروع الجديد ١٠% من مياه الفرات ، فقفزت هذه الكمية بعد انشاء مشروع غاب إلى ٥٣% من أصل ١٠% من صبيب الفرات السنوي البالغ ٣١،٤ مليار م٣.
وزادت هذه النسبة بتوسّع المشاريع وزيادةِ عددها ، لتنقصَ كميّةَ المياهِ التي تتلقّاها سوريا من الفرات ٤٠% عمّأ كانت عليه ، وتنقصَ هذه النسبةُ أكثرَ من العراق لتصبحَ ٨٠ % .
وجوهرُ المشكلة أنّ تركيا تنوي تعزيزَ سيادتها على مياهِ النهرينِ ، على الرغمِ من أنّها ثروةٌ مائيّةٌ مشتركةٌ مع سوريا والعراق ، والإنفراد الكلّي بإستثمارها أي ممارسةُ السيادةِ المطلقةِ كما عبّرَ عنها رئيسُ الوزراءِ التركيّ بقولهِ : ” إذا كان هذا الموردُ الطبيعيّ / المياه / في بلادنا فلنا الحقّ في استعمالهِ بالطريقةِ التي نراها مناسبةً ، ليسَ لسورية أو العراق / أيّ حقٍّ بالمياهِ التي تنبعُ من تركيا / .
وباسمِ مبدأ السيادةِ المطلقة أي سيادة دول المنبع على مجاريها المائية ونزعِ صفةِ ” الدوليّةِ ” عن الأنهارِ المشتركةِ كانت تركيا قد قطعت مياهَ نهر قويق ، وهو ينبعُ من تركيا ويمرّ بمدينةِ حلب ويروي سهلها .
ويهدف مشروع غاب التركي إلى ريّ ١،٧ مليون هكتار ، وتوليد ٢٦ مليار كيلو واط ساعي من الكهرباء سنويّاً ، ويتضمّن بناء ٢٢ سدّاً و١٩ محطّة توليد كهرباء على منابعِ دجلةَ والفرات ، ومع ذلك صرّح الرئيسُ التركيّ الأسبق سليمان ديميريل أثناءَ زيارةٍ له إلى الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ ٢٩ / ٣ / ١٩٩٦ بأنّ : ” سورية تحصل على كميةٍ من مياهِ نهر الفراتِ تفوقُ احتياجاتها عشرة أضعاف “
ولقد تضرّرت الحقوقُ والمصالحُ السورية والعراقية من إقامةِ السدودِ التركية على مجرى الفرات ، وظهرت أولى هذه الأضرار بانخفاضِ الصبيبِ من ١٥٠٠ إلى ١٢٢٠ م٣/ ثانية لمدّةِ شهر في مطلعِ العام ١٩٩٠ من أجلِ منسوبِ المياهِ خلفَ سدّ أتاتورك ، وفي منتصفِ العام ١٩٩٧ انخفضَ تدّفقُ الفرات من ٢٩ – ٣٠ مليار م٣ سنويّاً إلى ١٣ – ١٥ مليار م٣ سنويّاً .
وبالرغم من وجود لجنة فنيّة من الدول الثلاث بغرضِ ” اقتسامٍ عادلٍ ” لمياهِ دجلةَ والفرات ، فإنّ تركيا لم تستجب للطلبِ السوريّ – العراقي بزيادة معدّلِ الصبيب ، ولم تأخذ بوجهةِ نظرهما القائلةِ أنّ مشروع غاب عرّضَ مشروعات الريّ وتوليد الطاقة في سوريا والعراق للضرر والخطر .
* المركز القانوني الدولي لنهري دجلة والفرات :
بعدَ معاهدةِ لوزان ١٩٢٣ أصبحت كلّ من دجلةَ والفرات إلى نهرينِ دوليينِ يمرّانِ بأرضي ثلاث دول هي من المنبع إلى المصبّ : تركيا – سوريا – وأصبحَ استغلالهما يخضع لاختصاص دولٍ ثلاث وبذلك انتقل الاختصاص من القانون الداخلي إلى القانون الدولي .
لكنّ المشكلة في إصرارِ تركيا على رؤيةِ بأنّ نهري دجلة والفرات يشكلانِ ثروةً وطنيّةً خاضعةً للسيادةِ التركية ، ويعني هذا من وجهةِ النظر التركيةِ أنّ هذين النهرين ليسا ” نهريين دوليين ” وذلك بخلافِ التوصيفات والتعريفات التي وضعها القانونُ الدولي .
والتي تنطبقُ على أنهرٍ عديدةٍ مثلَ : الدانوب – الراين – النيل – دجلة – والفرات ….. الخ حيثُ برزَ مفهوم الدول المتشاطئة ، وهي الدول التي تشترك في مرورِ المجرى النهري في أراضيها من المنبعِ إلى المصبّ .
وفي هذا الإطار ذهبت تصريحات كل المسؤولين الأتراك . فها هو الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال يصرح في ١٨ / ١ / ١٩٩٠ : ” إنّ الشائعات المتواترة بشأنِ إمكانية نشوبِ صراعٍ بينَ تركيا وجيرانها بسبب المياه تعبّرُ عن رؤيةٍ خاطئةٍ ومضلّلةٍ ولا يمكن قبول الزعم القائل بانّ سدّ أتاتورك سيكون له تأثيرات سلبية في سورية والعراق ، لأنه على عكسِ ذلك سيكون مصدر رخاءٍ وازدهارٍ لكلّ من البلدين ….. ولماذا لا بتمّ التعامل مع سدّ أتاتورك كمشروع يوفّر الحمابةَ لملايين السكان في الدولِ الثلاث من مخاطرِ الفيضانات كما فعلت السدود التركية الأخرى في الماضي ” .
وكان ديميريل قد شدّدَ في
١٩ / ٥ / ١٩٩٧على ” عدم قبول تركيا إصرارَ سوريا والعراق على تقسيمِ مياهِ دجلةَ والفرات إلى ثلاثِ حصصٍ متساوية ” ، والجدير بالذكر أنّ القلق السوريّ والعراقيّ وتخوفهما من السلوكِ التركي هو امتداد التعاون التركي – الإسرائيلي إلى مشروع الغاب ،وتعبير تركيا عن نيتها للتحوّل إلى دولةٍ مصدرةٍ للمياه ، تبيع دول المنطقة ما تحتاجها من المياه ، وقد عبّرت تانسو تشيلر عن هذه النيّةِ صراحةً في زيارةٍ لها للأردن ، حيثُ أبدت عن إستعدادِ تركيا لبيعِ الأردن ما يحتاجهُ من المياه عبرَ قناةٍ تمرّ من سوريا ، ممّا يتطلّبُ موافقتها .
وفي هذا الجانب عملت تركيا على تنظيم مؤتمرات دولية في إطار ما سمي بمشروع ” السوق الدولية للمياه ” والذي ندّدت به سوريا ، والمطروح أمام مؤتمر ” مياه العالم : تمويل مشروعات المستقبل ” الذي انعقدَ في إستانبول/ ٢٩ – ٣٠ / ٩ / ١٩٩٧ والهدف منه إيجاد رأي عام دولي لمصلحةِ تركيا ، التي صرّحَ مسؤولوها بأنهم ينوونَ بيعَ المياه مقابلَ النفط العربي ، وأنهم يعتبرون مياه دجلة والفرات من انهارهم الوطنية ، وقد انعقدَ المؤتمر بمبادرة من الحكومة التركية وصحيفة ” هيرالد تريبيون الدولية ” الأمريكية ، وبمشاركة البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، وهيئات المعونة الأمريكية والأوربية والكندية .
وهذا السلوك التركي الجليّ في خرقه للقانون الدولي المتعلق بالأنهارِ الدوليةِ ، إنما يؤكد استخفافها في هذا الموضوع – شأنها في الكثير من المواضيع الأخرى – بالعهودِ والمواثيقِ الدوليةِ .
كانت الأمم المتحدة قد أقرت حق الدولِ التي يمرّ بها جزء من الأنهار الدوليةِ في استخدام النهر ،بشرط ألا يضرّ هذا الاستخدام الدولَ الأخرى ، الشريكة في النهر ، وتطبيق مبدأ المساواة في الحقوقِ ، والحرصُ على عدم إجراء أيّة تغييرات في نظام النهر، بدونِ الاتفاق مع باقي دول النهر ، وعند الاختلاف بين بلدان النهر الواحدِ يعرضُ النزاعُ على التحكيمِ الدوليّ .
لقد بادرتٍ الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم
/ ٢٦٦٩ / تاريخ ١٨/ ١ / ١٩٧٠ إلى دعوةِ لجنةِ القانون الدولي في هيئة الأمم المتحدة لدراسةِ مسألةِ التطوّر التدريجي ، وتقنينِ القانون المتعلّق باستخداماتِ المجاري المائيةِ الدولية للأغراضِ غيرِ الملاحيّةِ ، وقد توصّلتِ اللجنةُ بعدَ نحوِ ٢٧ عاماً من المناقشات الفقهيّةِ ، واستطلاعِ آراءِ عددٍ كبيرٍ من الدول – إلى عرضِ النصّ النهائيّ لمشروعها التي إعتمدتها بقرارها رقم ٢٢٩ / الدورة ٥١ / تاريخ ٢١ / ٥ / ١٩٩٧ تحتَ عنوان ” الاتفاقية العامة حول القانون المتعلّق باستخدامات المجاري المائية الدولية لأغراضٍ أخرى غير الملاحة ” وقد حصلَ قرارها على أغلبيةِ ١٠٣ دول ، وباعتراضِ ثلاث دول فقط بينها تركيا .
وهنا يمكن الإشارة إلى التعارضِ بينَ الرفضَ التركي للاتفاقية والقبولِ السوري لها ، يشير من دون شكّ إلى مدى الفرقِ الواسعِ في اختلافِ وجهاتِ النظرِ القانونيةِ بينَ دولتي المنبع والمرور لنهرِ الفراتِ ، وبالتالي صعوبة التوفيقِ بين مواقفهما حيالَ هذا الموضوع ، ففي حين ذهبت تركيا إلى أنّهُ يتوجّب فقط التذكير ببعضِ المصطلحاتِ والمبادئ العامةِ التي يمكنُ فيما بعد وضعها في التطبيقِ العمليّ بفضلِ التوصّلِ إلى اتفاقياتٍ خاصةٍ أكثرُ ملاءمةً لظروفِ كلّ حالةٍ على حدةٍ ، بدلاً من تقييدِ سيادةِ الدولةِ بالتزاماتٍ محدّدةٍ ، إرتأت كلّ من سوريا والعراق ضرورةَ التوصّلِ إلى نصوصٍ دقيقةٍ تتضمّنُ التزاماتٍ واضحةً تحميها من تعسّفِ جيرانها من دولِ المنبع .
وبعدَ الأخذِ في الحسبانِ الاستغلالَ المتصاعدَ للمصادرِ المائيةِ ، لأغراضٍ أخرى غير الملاحةِ والمشاكلِ الناجمةِ عنها / زراعة – ري – صناعة – توليدُ الكهرباء / اعتمدَ القانون الدولي تدريجياً مفاهيمَ أخرى ذات معنى أكثر شموليةً من تلك المستندةِ فقط إلى وجودِ الفواصلِ الحدوديّةِ بين الدولِ ، واستخدامِ مياهِ الأنهارِ لغاياتِ الملاحةِ والتنقّلِ مثلَ : الحوض النهريّ ، والحوضِ ” الهيدروغرافي “
الدولي ، وحوض التصريف الدولي …. الخ
وذلك إلى أن توصّلت أخيراً لجنةُ القانون الدولي إلى اعتماد مفهوم المجرى المائي الدولي ، وحيثُ عرّفتْهُ المادةُ الثانيةُ من اتفاقيّة عام ١٩٩٧ بأنّهُ : ” شبكةُ المياه السطحية والجوفية المتواجدةُ في عدّةِ دولٍ ، والتي تشكّلُ بموجبِ روابطها الطبيعيّةِ مجموعةً موحّدةً تصلُ بشكلٍ طبيعيٍ إلى نقطة التقاءٍ مشتركٍ ” ، وقد عبّرت معظمُ الدول التي استشيرت حولَ هذا التعريف عن موافقتها لمثلِ هذا الحل الوسط ، وإن كانت قد أعطتهُ تفسيرات مختلفة ، ومن هذه الدول دولتي المرور والمصبّ لنهر الفرات : سوريا والعراق، بالمقابلِ إعترضت دولةُ المنبعِ : تركيا على مفهومِ المجرى المائي الدولي كما أقرّته لجنةُ القانون الدولي ، وأصرّت على ضرورةِ إعتمادِ مفهومها الخاص حولَ مجاري المياهِ العابرةِ للحدودِ ، والموقفُ التركيّ ليسَ غريباً فهي تشكّكُ دائماً بالصفةِ الدوليّةِ لنهرِ الفراتِ ، الذي تعدّهُ مجرىً مائياً عابراً للحدود ، والمطلوب هو تنظيمُ استخدامه مع الدولِ المتشاطئة بدلاً من الاتفاقِ على تقسيمِ مياههِ ، متناسيةً أنّ طبيعةَالحدودِ البريّةِ بينَ الدولِ تختلفُ عما عليهِ في الحدودِ النهريةِ .
ففي الحالةِ الأولى تمارسُ كلّ دولةٍ سيادتها على الطرفِ المقابلِ لذاكَ الواقعِ تحتَ سيادةِ الدولةِ الجارةِ ، أما في الحالةِ الثانيةِ فيجبُ الأخذُ في الحسبانِ الخصائصَ الفيزيائيةَ للمياهِ وتحرّكها المستمرّ ، حيثُ تُمارسُ عليها عدّةُ سياداتٍ ، في اوقاتٍ وأماكنَ مختلفةٍ ، فعلى سبيلِ المثالِ : إذا لجأت دولةُ المنبع إلى تحويلِ مجرى المياهِ الجاري في أراضيها أو تلويثهِ ، فسيؤدّي هذا التصرّف حتماً إلى تخفيضِ كميّةِ المياهِ العابرةِ للحدود ، أو الإساءةِ إلى نوعيّةِ المياهِ الواصلةِ إلى دولتي الممرّ والمصبّ .
ممّا تقدّم يظهرُ جليّاً أنّ تركيا تتهرّبُ من التزاماتها الدوليةِ ، وتضربُ عرضَ الحائطِ مبدأ المساواةِ في ممارسةِ السيادةِ ، والاستخدامَ العادلَ والمنصف للمصادرِ المائيةِ ، وكذلك اشتقاقَ مفاهيمَ خاصة بها تخدمُ مصلحتها الذاتية ، والنفورُ من التعاونِ والتفاوضِ ،وخلقِ الخلافاتِ وبؤر التوتر في علاقاتها الخارجيّة ، وهذا السلوكُ الشائن هو ديدنُ تركيا في كلّ قضاياها معَ جوارها الإقليمي .