(تركيا في الاستراتيجية الإمبريالية)

✍: خورشيد أحمد

———————————————————————-

الحلقة الثالثة.

: تركيا الأحلاف والقواعد العسكرية .

دأبت تركيا منذ بدايات الخمسينيات من القرن الماضي – وترجمةً لسياساتها المعاديةِ لحركاتِ التحرّر الوطني في المنطقة ، وتنفيذِ أجنداتِ القوى الغربية الإمبريالية في صراعها مع منظومةِ الدولِ الاشتراكية ، وعلى رأسها الإتحاد السوفييتي – للدخولِ في الأحلافِ العسكرية ، فكان انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي

( الناتو ) في العام ١٩٥٢ .

هذا الحلف العدواني التوسّعي الذي بدأ باثنتا عشرة دولةً مؤسّسةً له في ٤ نيسان ١٩٤٩ ، والتي وقعت على معاهدة حلف شمال الأطلسي ، والتي عُرفت بمعاهدة واشنطن ، ثمّ بدأت دولٌ أخرى بالانضمام على فتراتٍ زمنيّة متتالية ، فانضمّت كلّ من تركيا واليونان عام ١٩٥٢ ، ثمّ ألمانيا عام ١٩٥٥ ، وإسبانيا عام ١٩٨٢ ، لينضمّ في العام ١٩٩٩ ثلاث دولٍ هي : التشيك وهنغاريا وبولندا ، وفي العام ٢٠٠٤ انضمّت سبعُ دول أخرى هي : بلغاريا- سلوفينيا – استونيا- لاتفيا- ليتوانيا – رومانيا – سلوفاكيا ، وفي العام ٢٠٠٩ انضمّت دولتا ألبانيا – كرواتيا ، كما انضمّ الجبل الأسود في العام ٢٠١٧ ومقدونيا الشمالية في العام ٢٠٢٠ وأخيراً فنلندا في العام ٢٠٢٣ .

ويُعدّ هذا الحلف العسكري أخطرَ الاحلافِ ، وأكثرها عدوانيّةً على مستوى العالم .

ويحتلّ الجيش الأمريكي المرتبةَ الأولى من حيث العدد في الترتيب ، يليه الجيشُ التركي في المرتبةِ الثانيةِ بحسب إحصائيّةٍ نشرها موقعُ ” ستاتيستا ” الأمريكي .

فهو يمتلك ٧٧٥ ألف جندي بينهم ٤٢٥ ألف ( قوات عاملة ) و ٢٠٠ ألف ( قوات إحتياطية ) و ١٥٠ ألف ( قوات شبه عسكرية ) .

كما أنّ تركيا تمتلك واحدة من أقوى ٩ قوات جويّة في العالم تضمّ ألفاً وسبعاً وخمسينَ طائرةً حربيّةً ، وتصنّف القوات الجوية التركية في المرتبة السابعة عالمياً في حجمِ أساطيل النقل العسكري وطائرات التزوّدِ بالوقودِ والمروحيات .

وهذا الحلف الذي يضمّ حالياً ٣١ دولةً هو حلف عسكري عدواني ، يضمّ حوالي ٣،٥ مليون من العسكريين الأفراد والقوات والمدنيين من الدول الأعضاء . يشكل حجم الجيش الأكبر فيه ١،٣٥ مليون وهو جيش الولايات المتحدة وفقاً لشركةِ الأبحاث ” ستاتيستا ” يليه الجيش التركي متقدّماً على كلّ من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا . ليحتلّ المرتبةَ ١٣ بينَ أقوى جيوشِ العالم وفقاً لاحصائياتِ موقع ” غلوبال فاير بور ” ، وتصرف الولايات المتحدة لوحدها بحدود ٨٦٠ مليار دولار كنفقات عسكرية على جيشها ، كما أن الإنفاق الدفاعي المتوقّع لحلف الناتو عام ٢٠٢٣ هو ١،٢٦ تريليون دولار ، كما أنّ هناك دعوة لزيادةِ هذا الإنفاق وهو ما عبّرَ عنه ريش سوناك رئيس الوزراء البريطاني في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا قائلاً : إنّ الهدف الحالي ” يجب أن يكون الحدّ الأدنى وليسَ السقف ” . وهذا الحلف العدواني يلتزم فيه أعضاؤه بموجب البند الخامس من معاهدة الحلف بتقديم المساعدة إلى أي دولة عضو موقعة على الاتفاقية في حال تعرّضها لهجوم من قبل قوّةٍ أجنبيّةٍ .

كما أنّ تركيا تمتلك نحو ٥٠ قنبلة نوويّة أمريكية تكتيكية يمكن استخدامها بواسطة مقاتلات ” إف – 16 إس ” ، كما تمثل تركيا رأس الحربة في الدرع الصاروخي لأمريكا وحلف الناتو بسبب وجود رادار الإنذار المبكّر الأمريكي ” إيه إن / تي بي واي – 2 ” على أراضيها .

وتمثّل تركيا جزءاً من برنامج ” مشاركة الأسلحة النووية ” في أوروبا الذي يضمّ ٥ دول دول هي تركيا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وإيطاليا .

وتمتلك تركيا ميزة مهمة بسبب موقعها الجغرافي الذي يخدم الدول الأعضاء في الحلف ، عن طريقِ سيطرتها على عددٍ من الممرّات البحريّة المهمة وقربها من المسرح الآسيوي الذي يجعلها موقعاً مثالياً لرادارات الإنذار المبكّر التابعة للحلف .

وتوجد في تركيا ١٠ موانئ كبرى و ٩٨ مطاراً وفيها قاعدة عسكرية مهمة للحلف هي قاعدة أنجرليك . ولهذا الحلف سجلٌّ إجراميّ حيثُ شارك الحلف في تفكيكِ يوغسلافيا كما أجرى أولى تدخّلاته العسكرية في البوسنة من ١٩٩٢ – ١٩٩٥ ثمّ في وقتٍ لاحق يوغوسلافيا في عام ١٩٩٩ ، وبعد أحداثِ الحادي عشر من أيلول تمّ نشر قوات الحلف في أفغانستان، كما أرسلَ مدربين إلى العراق ، وفرض في العام ٢٠١١ منطقة حظرٍ جويّ على ليبيا ، كما أن الحلف إستند خمسَ مرّاتٍ إلى المادة الرابعة الأقلّ فاعلية من المادة الخامسة من النظام ، من قبل تركيا في عام ٢٠٠٣ في الحرب على العراق ، ومرتين من قبل تركيا في عام ٢٠١٢ في الحرب على سوريا ، ومرّةً من قبلِ بولندا بعد ضمّ شبه جزيرةِ القرم إلى روسيا ، والمرّة الأخيرةُ أيضاً من قبلِ تركيا في العام ٢٠١٥ ، والجدير بالذكر أنّ ثلاثة من دول الحلف هم أعضاء دائمون في مجلس الأمن الدولي ، ويتمتعون بحق النقض ” الفيتو ” ، وهم رسميّاً دولٌ حائزة للأسلحة النوويّة وهنا مكمن خطورة هذا الحلف .

ومن الأحلافِ التي انضمّت إليها تركيا أو ساهمت في تأسيسها هو حلف بغداد الذي تمّ تأسيسه في ٢٤ شباط ١٩٥٥ من قبلِ تركيا والعراق ، وكانَ الهدفُ المزعوم منه هو الوقوف في وجه الخطرِ والمدّ الشيوعيّ في الشرقِ الأوسط ، وكانتِ الولايات المتّحدة الأمريكية هي صاحبةُ فكرةِ إنشاء هذا الحلف ، ووعدت بتقديمِ العونِ والمساعدةِ له ، ولكنّها لم تشارك فيه بشكلٍ مباشرٍ ، وإنّما وكلت بريطانيا بالقيامِ به ، والتي انضمّت إليه في نيسان ١٩٥٥ ، وأعقبَ ذلك انضمام الباكستان في تموز ١٩٥٥ وإيران في تشرين الثاني ١٩٥٥ ، وأصبح الحلف معروفاً باسم حلف بغداد ، ولم تتكلّل بالنجاحِ مساعي نوري السعيد رئيس وزراء العراق باقناعِ عددٍ من الدولِ العربية وفي مقدمتها مصر وسوريا بالانضمامِ إليه ، لقناعةِ هذه الدول بأنّ مصدرَ الخطر الحقيقي هو إسرائيل وحلفائها الذين يقفون وراء الحلف وليسَ الاتحاد السوفييتي ، الذي أصبحَ المزوّدَ الوحيدَ للدولِ العربية المواجهةِ لإسرائيل بالسلاحِ والعتادِ ، والذي أقيمَ الحلفُ واقعيّاً لمواجهته .

لم تنضم الولايات المتحدة إلى الحلف بصورةٍ كاملةٍ على الرغمِ من دورها التحريضيّ على إنشائهِ ، وإنما قصرت مشاركتها على الانضمام إلى عضوية لجنة النشاط الهدّام ، وكذلك اللجنتين الاقتصادية والعسكرية التابعتين للحلف ، وقد استمرّ ذلك حتى عام ١٩٥٩ حيث أصبحت أمريكا عضواً كامل العضوية في هذا الحلف بعد انسحاب العراق منه عام ١٩٥٨ .

لقد كانتِ الدوافعُ التي أملت على أمريكا وبريطانيا أن تتبنّى هذا المشروع مرتبطة بالقيمة الاستراتيجية لمنطقةِ الشرقِ الأوسط من الناحيةِ العسكرية لمتاخمتهِ جغرافيّاً للإتحاد السوفييتي ، ولكونه يشكلُ أكبرَ إحتياطياتِ النفطِ العالمية .

وبعد غزو تركيا لقبرص عام ١٩٧٤ ، وفشل الهدف الأساسي من وراءِ تأسيسِ الحلف في وقفِ نفوذِ الاتحاد السوفييتي ، الذي وطّدَ علاقاته مع الشرقِ الأوسط خلالَ تلك الفترة ، وبشكلٍ خاص مع مصر والعراق وسوريا واليمن الجنوبي والصومال تمّ حلّ هذا الحلف في ١٦ آذار ١٩٧٩ .

وفي سياقِ سعي تركيا المحمومِ في الانخراطِ في المشاريعِ الإمبريالية في المنطقةِ ، كانَ قبولها بزراعةِ أراضيها بالقواعدِ العسكرية الأمريكية وقواعدِ حلف الناتو .

فالولايات المتحدة الأمريكية تُعرَفُ بكونها أكبر دولة مُشغّلةٍ للقواعدِ العسكريةِ الخارجيةِ لدوافعَ توسعيّةٍ ، حيثُ ينتشرُ اليوم مئاتُ الآلافِ من الجنودِ الأمريكيينَ في نحوِ ٧٥٠ قاعدة عسكرية في أكثرَ من ٧٠ دولةً .

وتعدّ القواعد العسكرية الأمريكية في الأراضي التركية من أهمّ العناصرِ والمكوناتِ الفاعلةِ في طبيعةِ العلاقاتِ التركية – الأمريكية وتعودُ بداياتها إلى عقدِ الستينيات من القرنِ العشرين ، عندما عقدتِ الولايات المتحدة الأمريكية مع تركيا اتفاقية في عام ١٩٦٩ سمحَ بموجبها للولايات المتحدة الأمريكية بإقامةِ ٢٦ قاعدة عسكرية ، بالإضافة إلى مراكزِ الرصدِ والانذارِ المبكّر ، ومراكز الاتصالات اللاسلكية وقواعدِ التجسّس وجمع المعلومات ، وكذلك التسهيلات البحرية في أهمّ الموانئ التركية .

ومن أهمّ القواعدِ العسكرية الأمريكية في تركيا :

١ – قاعدة أنجرليك :

وهي من أضخم القواعد الجوية للحلفِ الأطلسي المقامةِ على الأراضي التركيةِ ، وتقع بالقربِ من مدينةِ أضنة ، إذ أنّ تجهيزاتها من الطائرات والصواريخ وأجهزةِ الاتصال الرادارية المتطورة والبعيدة المدى ، إضافةًإلى تواجدِ الآلافِ من الجنودِ الأمريكان والأوربيين لتسمحُ لهذهِ القاعدةِ بالسيطرةِ على أجواءِ الجزءِ الشرقيّ من البحر المتوسط ، إضافةً إلى مهماتها المخصّصةِ للهجومِ والدفاعِ فإنّها تضمّ عشرات الطائرات من أحدثِ ما توصّلت إليه التكنولوجيا الغربية ، كما تتمركزُ فيها وحداتٌ من القوّةِ الجويّةِ الأمريكية التكتيكية، وتشكّلُ البوابةَ الرئيسةَ التي ينفذُ من خلالها ٧٠% من الإمدادات الجوية الأمريكية وحلفائها في كل من العراق وأفغانستان ، و٢٩% من الوقود المستهلك ، و ١٩% من المواد الغذائية .

كما أنّ هذه القاعدة تتولّى تدريب الطيّارينَ الأتراك والأوروبيين من دولِ الحلفِ ، إضافةً إلى ذلك فإنّ هذه القاعدة تقومُ بواجبِ الدفاعِ عن الخاصرةِ الجنوبية لحلفِ الناتو في حالِ نشوبِ نزاعٍ بينَ الشرقِ والغربِ ، وهي تُستخدمُ حاليّاً لتقديمِ الدعمِ اللوجستي للقواتِ الأمريكية العاملةِ في العراق وفي عمليّاتِ التبادلِ الدوري لتلكَ العمليات .

٢ – قاعدة ازمير الجويّة :

وتستخدم هذه القاعدة للدعم الجويّ وتُعدّ مقرّ القيادة البريّة للجزءِ الجنوبيّ من حلفِ شمال الأطلسي ، وفيها قيادة القوّة الجوية التكتيكية للأسطول السادس .

٣ – قاعدة أنقرة الجوية :

هدف هذه القاعدة تأمين الجسور والإشراف على أجواء البحر الأسود وفيها مركز عمليات تركي – أمريكي مشترك .

٤ – قاعدة الاسكندرونة و ( يومورتاليك ) :

وتقعان بالقربِ من الحدودِ السوريةِ ، وتُعدّانِ من أهمّ مستودعاتِ التموين والمحروقات ، وفيها ٢٠% من مخزون الأسطول السادس من الوقود ، ومركز لتأمين الاتصالات الأمريكية ، ومحطة رادارية أرضية تابعة لنظام الرصد والانذار المبكر لحلف الناتو .

٥ – قاعدة سيلغلي :

تقع إلى الشمال من أزمير وهي قاعدة جوية تكتيكية تستخدم عند الحاجة للقوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي .

٦ – قاعدة بلياري :

تقع هذه القاعدة جنوب العاصمة أنقرة ، وتعتبر مركزاً رئيساً للتنصّت على التجارب النوويّة التي كان يجريها الإتحاد السوفييتي سواء في البحر أو في باطن الأرض .

٧ – قاعدة كارنما بردن :

وتقع على الجانب الشمالي من بحر مرمرة ، وهي قاعدة لخفر السواحل ، وفيها محطة لتوجيه الملاحة البحرية عن بعد ، مهمتها مساعدة سفن الأسطول السادس على تحديدِ مواقعها بدقّة .

٨ – قاعدة بيرنكيك :

وهي مخصّصة للانذارات المبكرة في حال حصول هجومٍ صاروخيّ معادٍ ، وهذه القاعدة استخدمت أثناءَ خلعِ شاهِ إيران ” محمد رضا بهلوي ” عن العرش ، والأحداث الإيرانية التي تلت ذلك داخلياً وخارجياً ، وبالتنسيق مع الأقمارِ الصناعية التي تلعب هي الأخرى دوراً في مجال الاتصالِ والمراقبة ، وتقع عل بعد ٣٠ كم شمال ديار بكر .

٩ – قاعدة سينوب :

وتقع هذه القاعدة على الشاطئ الجنوبي للبحر الأسود ، وتوجد فيها رادارات بعيدة المدى وأجهزة اتصالات متطوّرة ، ويديرها موظفون من وكالات الأمن القومي ، ومهمتها جمع المعلومات عن نشاطات الدول القريبة من منطقة البحر الأسود ، ورصد تجارب الصواريخ النووية وجمع المعلومات والنشاطات البرية ، وهذه القاعدة مزوّدة بأجهزة إلكترونية متطوّرة حيثُ تلتقط رسائل الراديو الخاصة باتصالات الطائرات .

من كلّ ما تقدّم يمكن القول أنّ موقع تركيا الاستراتيجي له أهمية كبيرة لدى حلف الناتو وخاصةً للولايات المتحدة الأمريكية ، التي تقومُ بدور ٍمهم وأساسيّ في دعم القوات العسكرية للحلف الموجودةِ في الأراضي التركية من خلالِ تجهيزها بأحدثِ الطائراتِ والصواريخِ والتجهيزاتِ العسكرية فائقةِ التطوّر إضافةً إلى أنواعٍ أخرى تكتنفها حالةٌ من السريّةِ الفائقةِ .

يتبع …….

اترك تعليقاً

Scroll to Top