النفوذ التركي في سورية والمنطقة .. والمنظار الأمريكي الاسرائيلي

سليمان أحمد ..

.

( بداية أود أن أشير أن وجهة سورية القادمة لن تحددها فقط الأطراف الدولية والأقليمية المتدخلة في الشأن السوري، بل سيكون للشعب السوري ومدى تكاتفه الدور الأبرز في شكل دولته المستقبلية ) .

لا يخفى على أحد الدور التركي الرئيسي في التغيير الكبير الذي حصل في سورية وحسب مصادر، أن الأتراك أبلغوا الروس والايرانيين وحزب الله بأن الجيش السوري لن يحارب وقوات المعارضة ذاهبة باتجاه دمشق لاستلام الحكم وما عليهم سوى الانسحاب وإعادة التموضع وبضمانات تركية وذلك قبل يومين من سقوط نظام بشار الأسد .

فإذاً مفاتيح اللعبة ووضع الترتيبات العملياتية كان يتم تحت اشراف مباشر من تركية وبتعليمات صارمة منها اعتباراً من السيطرة السريعة على ريف حلب ودخول مدينة حلب حتى الوصول إلى دمشق .

ولكن هل ما قام به أردوغان كان خطة تركية خالصة وبالتوافق مع التنظيمات الجهادية المسلحة في سورية ؟ بالتأكيد لا .. أردوغان وتركية بحجمها الأقليمي غير قادران بمفردهما على إحداث تغييرات كبيرة في منطقة تعتبر النفوذ الاستراتيجي والحيوي للولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل .

وبالتالي ما جرى كان بتنسيق وتخطيط أمريكي اسرائيلي تركي الغاية منه :

– أمريكياً واسرائيلياً : تفكيك محور المقاومة وحصار حزب الله وانهاء النفوذ الايراني في سورية .

– تركياً : الوصاية على سورية وإعادة إحياء نواياها العثمانية ومنع نشوء أي كيان كردي في شمال وشرق سورية .

اليوم وبعد مرور 16 يوما على اسقاط النظام في سورية نجد أن المرامي الأمريكية الاسرائيلية التي ذكرناها أعلاه قد تحققت بمعظمها وخاصة بعد التدمير الاسرائيلي الممنهج للبنية العسكرية السورية.

أما المرامي التركية فهي تحتاج إلى وقت للحكم عليها ومرتبطة بشكل كبير بالتطورات في سورية خلال الفترة القادمة، وحتى تتحقق الأهداف التركية يجب تحقيق نوع من الاستقرار في سورية تحت سيطرة الموالين لها ورفع العقوبات الأمريكية عن سورية والبدء بإعادة الاعمار واعطاء الدور الرئيسي في ذلك للشركات التركية – التي ارتفعت اسهمها بالفترة الأخيرة – وتجريد قوات سورية الديمقراطية من سلاحها وعدم إعطاء أي دور حقيقي للأكراد في سورية الجديدة .

وكما يقولون الشيطان يكمن في التفاصيل ..!!

هناك حقيقة جوهرية يجب أن لا تغفل عن بال أحد ..

الامبريالية الأمريكية واسرائيل الصهيونية لا يعترفان أبدا بالمشاركة والصداقات السياسية ولا ينظرون إلى أية دولة أو تنظيم سياسي أو عسكري بأنهم حلفاء بل كونهم أدوات ظرفية يتخلون عنها عند الانتهاء من تنفيذ مآربهم .

المنتصرون الحقيقيون هم فقط، أما المساعدون الآخرون فهم تحصيل حاصل .

الدور الذي أعطوه لأردوغان والصلاحيات التي منحوها له في فترة ما يجب أن تتوقف عند حدود معينة ولن يسمحوا لأردوغان بلعب دور كبير في المنطقة .

نجاح النموذج التركي المرسوم لسورية ورفع العقوبات والبدء بإعادة الاعمار في سورية مع وجود حكومة اسلامية لصيقة بتركية سيحدث بلبلة كبيرة وانتعاش للتيارات الاسلامية وتحديدا الاخوانية في مصر والأردن والعراق وبعض الدول الخليجية والعربية الأخرى .

هل سيسمح الأمريكان والاسرائيليون بتنامي دور تركي كبير في المنطقة إلى هذا الحد .. بالتأكيد لا

فإذا ستكون أمام تركية في سورية أفخاخ كبيرة جداً،

بداية مسألة توحيد سلاح الفصائل المسلحة التي لها عقائد ايديولوجية متشددة وتمويل وولاءات مختلفة والدور الذي ستلعبه في هذا الاتجاه دول الأقليم لمنع التفرد التركي بالشأن السوري .

مسألة قوات سورية الديمقراطية المدربة بشكل جيد، والرؤى الأمريكية المختلفة في التعاطي مع هذه القوات تبعاً لمصالحها المتبدلة وكذلك تبعاً لتغير استراتيجياتها في المنطقة بوصول الرئيس ترامب .

مسألة تنّوع الشعب السوري ورفضه رفضاً مطلقاً دولة دينية مغلقة كما هي في رؤوس قادة التنظيمات المسيطرة على القيادة في سورية والموالين لتركية .

مسألة العقوبات الأمريكية على سورية والتي لتاريخه ليس في عهدة الأمريكان أية نية برفعها، بل تركوها سيفاً مسلطاً على رقاب الشعب السوري وابتزاز خياراته المستقبلية، ومن المعلوم بدون رفع العقوبات لن تكون هناك إعادة إعمار حقيقية في سورية، ولن تضخ قطر والاتحاد الأوروبي وباقي الدول الممولة قرشاً واحداً في سورية، وبالتالي فشل المشروع التركي المرسوم لسورية ومن بينها الحصول على حصة الأسد في مشاريع إعادة الاعمار .

قد يأتي خلال الأيام القادمة أردوغان إلى دمشق ويصلي في المسجد الأموي الكبير، ويزور ضريح صلاح الدين، ولكن لن يشعر أبداً بأنه سلطان منتصر ، لأنه يدرك تماماً صعوبة الأيام القامة وأن أي فشل لمشروعه في سورية هذه المرة، سيكون بمثابة الضربة القاضية له ولحزبه وبداية دخول تركية لقلاقل جديدة، فالأمريكان والاسرائيليون لا يستطيعون أن يروا دولاً أقليمية كبيرة وقوية في منطقة شرق المتوسط حتى لو كانت تركية التابعة لهم .

اترك تعليقاً

Scroll to Top