الهادي معروف
.
قدم السيد خالد شبيب الذي عرف نفسه كقاضٍ و مستشار في “المعهد العالي للقضاء السوري الحر” عرضاً لمقترح رفعه المعهد آنف الذكر إلى سلطات الأمر الواقع في سوريا يتضمن إلغاء ” جميع القوانين والقرارات الجائرة “التي أصدرت في عهد النظام السابق ,منها ما يجب حقاً إلغاؤه كقانون محاكم أمن الدولة والمحاكم الميدانية العسكرية, لكن هذا الهجوم القانوني وفي إطار يدعي لنفسه العدالة الانتقالية يستهدف أيضاً “إلغاء قانون الإصلاح الزراعي الذي تسبب بنزع ملكيات خاصة من ملاكها الأصليين بشكل قسري وغيرمنصف وعادل” حسب ما ورد في مذكرة المعهد العالي للقضاء السوري الحر.
.
ما هو قانون الإصلاح الزراعي؟
.
صدر قانون إصلاح الزراعي 161 بتاريخ 11 حزيران 1958 في عهد الجمهورية العربية المتحدة (الوحدة بين سوريا ومصر) والذي حدد سقف الملكيات الزراعية سواء للأراضي المروية أو البعلية (تبعته تعديلات كثيرة كالمرسوم 88 لعام 1963 والمرسوم 166 لعام 1968 والمرسوم 66 للعام 1969 و قانون تحديد الملكية الزراعية رقم 31 لعام 1980 ) والتي عدلت بدورها سقف الملكيات هذا. فقبل صدور قانون إصلاح الزراعي امتلكت 7000 عائلة اقطاعية ما يفوق الثلاثة ملايين هكتار منهم 1600 مالكين امتلكوا 400 ألف هكتار من الأراضي المروية, فمثلاَ في خمسينات القرن الماضي كان أربعة ملاك في حماة يتصرفون ب 96 قرية وفي الجزيرة عشرة ملاكين امتلكوا 70% من الأراضي المروية في الوقت الذي امتلك فيه بقية الفلاحين الذين يعدون أنذاك 500 ألف عائلة 20% فقط من الأراضي المستخدمة بينما كان 70% من الفلاحين أي 350 ألف عائلة محرومين كلياَ من الأراضي.
من الواجب ذكره أن أول تحديد لسقف الملكية ورد في دستور 1950 لكن دون أثر رجعي, أي إنه لم ينزع ملكيات سبق تكونها عام 1950, لكن قانون حماية أملاك الدولة رقم 1984 لعام 1954 أعطى الحق لواضع اليد بتملك 500 هكتار مع السماح بتسجيل مساحة مماثلة للأبناء و الأحفاد و الأزواج.
يُذكر أن ما يُقارب 70% من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بموجب قانون الإصلاح الزراعي وتوزيعها على الفلاحين المحرومين من الأرض كانت من الأراضي الأميرية، أي أراضي أملاك الدولة. هذه الأراضي كان الإقطاعيون، بحكم صلاتهم ونفوذهم، قد وضعوا أيديهم عليها واستغلوها لصالحهم, أي إن القسم الأكبر من الأراضي الموزعة لم تكن ملكاً خاصاً بل ملكية دولة حرّرت من واضعي اليد الإقطاعيين لتمنح للفلاحين.
أدى هذا التوزيع معطوفاً على السياسات الداعمة للزراعة و الإنتاج الزراعي التي تبنتها الدولة السورية في سبعينات و ثمانينات حتى تسعينات القرن الماضي إلى تحسن كبير في الإنتاج الزراعي (وصلت في بعض الأعوام إلى الاكتفاء الذاتي).
.
ماذا يعني إلغاء قانون إصلاح الزراعي؟
.
إن إلغاء قانون إصلاح الزراعي سيحول مئات الآلاف وربما الملايين من الفلاحين إلى عمال زراعيين مجردين من الملكية، أو سيدفعهم إلى الهجرة الواسعة إلى المدن، أو بشكل أدق إلى أحزمة البؤس العشوائية في ضواحي المدن باحثين عن فرص عمل في سوق عمل منهار لاقتصاد منهار أصلاً. ففي الوقت الذي يعاني منه قطاع الزراعي في سوريا ما يعانيه بسبب السياسات النيوليبرالية للنظام السابق والتدمير بسبب حرب الثلاثة عشر عاماً، سيأتي هذا الإلغاء مسماراً إضافياً في نعش الزراعة السورية التي تنتج 28% من الناتج المحلي السوري. وعدا عن التدهور المنتظر في القطاع الزراعي فإن إطلاق موجة كبيرة من هجرة الريف إلى المدينة، هو إعادة المشهد الاقتصادي والاجتماعي للسنوات التي سبقت 2011، حيث تسببت السياسات النيوليبرالية (رفع سعر المحروقات مثلاً) بتضخم ظاهرة الهجرة الريفية، خالقة بؤرة اجتماعية كانت بين غيرها أهم أسباب اندلاع التمرد ( “الأزمة”، “الثورة” أو”الحرب الأهلية” ) عام 2011.
لا شك من أن أكبر أو إن إحدى أكبر المشكلات التي ستقف دائماً في وجه حلٍّ مستدام للمسألة الزراعية هي مسألة الإرث وبالتالي تفتيت الملكيات الزراعية فعندما تصغر الملكية الى حد معين يصبح من غير المجدي استثمارها زراعياً بشكل مجدٍ إفرادياً, لكنّ الحل لا يكمن في طرد مئات الألاف أو ملايين الفلاحين من أراضيهم وانما بتشجيع التعاون في الزراعة, فالزراعة التعاونية وحدها ستمكن الفلاحين من الحفاظ على أراضيهم وملكياتهم و بنفس الوقت استغلالها بالشكل الأمثل و استخدام المكننة و التقنيات الحديثة بشكل واسع.
إن بناء الدولة في سوريا الآن يتطلب بناء اقتصاد منتج قوي يستوعب اليد العاملة الموجودة ويقلل معدلات البطالة المرتفعة، وليس إضافة الملايين من العاطلين عن العمل.
الإصلاح الزراعي كان أحد خطوات الثورة الوطنية الديموقراطية التي أنجزها الشعب السوري بنضال فلاحيه و قواه الحية منذ عقود، والمطلوب الآن الحفاظ على منجزات هذا الشعب وحقوقه وليس التراجع عنها بهذه الحجة أو تلك. إذ إنّ بناء الدولة يختلف تماماً عن العودة إلى القرون الوسطى في الاجتماع والاقتصاد.