: خورشيد أحمد
———————————————————————-
الحلقة الاولى.
تركيا : التأسيس / من السلطنة إلى الجمهورية .
تعود بدايات نشوء الدولة العثمانية تاريخياً إلى النصف الثاني من القرن الثالث عشر ، عندما أقدم عثمان زعيم إحدى القبائل التركية – التي اندفعت معظمها نحو المنطقة مع غزو المغول – إلى إنشاء إمارة صغيرة ، ما لبثت أن اتسعت تدريجياً ، حتى وصلت قواتها إلى أوروبا ، فاصطدمت بالصرب والبلغار ، واستولت على بلاد اليونان ، حتى بلغت نهر الدانوب ، وواصل السلاطين العثمانيون غزواتهم و توسعاتهم حتى أخضعوا كامل الأناضول لسيطرتهم، في مطلع القرن الخامس عشر ، بهذا تحولت الامارات العثمانية الصغيرة إلى دولةٍ مرهوبة الجانب ، سميت بالدولة العثمانية، وقد استطاع العثمانيون إسقاط ” القسطنطينية ” عاصمة البيزنطيين في العام ١٤٥٢ م ، على يد محمد الثاني ، ويتخذوها عاصمةً لهم بعد تبديل إسمها إلى إستانبول.
كما استطاع العثمانيون هزيمة الفرس عام ١٥١٤ م والمماليك عام ١٥١٧ م القوتان الوحيدتان والرئيستان في المنطقة ، وبذلك كرست الدولة العثمانية نفسها قوةً عظمى في المنطقة.
كما كرست سيطرتها المطلقة على سكان مناطق حكمها من مختلف القوميات ، انطلاقاً من سيادة العنصر التركي ، وتمايزه في الدولة العثمانية ، الذي كان يحكم حكماً عنص..رياً ، استبد ادياً ، معتمداً على العنف والاضطهاد والقتل والذبح ، ضد القوميات الأخرى المنضوية تحت لواء الدولة العثمانية ، كشرطٍ ضروري لاستمرار حياتهم .
وقد حكم العثمانيون الأتراك مدفوعينَ بذهنية حقهم في السيطرة على الشعوب الأخرى بصفتهم مخلوقينَ للحربِ فقط .
ولهذا وحتى القرن الثامن عشر كانت الدولة العثمانية هي الدولة الوحيدةُ بين الدول الكبرى التي تفتقر إلى جامعة أو معاهد عليا للعلومِ التطبيقية، وقد انشأت أول جامعة للدراسات العليا في العام ١٨٦٩ م ولكنها ما لبثت أن أغلقت أبوابها بعد سنتين تحت تأثير مقاومةٍ عاصفةٍ من الرجعية ، كما أنه لم تنشأ دار طباعة حكوميّة إلا في سنة ١٧٢٩ م ، أما على صعيدِ الصحافةِ فإنّ الأتراك وانسجاماً مع عقليتهم المتخلفة لم يصدروا أية صحيفة إلا في عام ١٨٣١ م عندما تمّ إنشاء أول صحيفة بعنوان :
” تقويم وقائع ” .
إنّ الحديث عن هذه الوقائع إنّما جاء للتدليلِ على تخلّفِ الإمبراطورية العثمانية ، ذلك لأنّ العقليّةَ التركيةَ ظلّت رافضةً للمؤثراتِ الحضاريّةِ ، على صعيدِ الفكرِ ، مكرسةً كلّ ابداعاتها في فنّ الحربِ ، وتنجيرِ الخوازيقِ ، وسياسة السيطرةِ القوميّةِ ، وصهرَ القوميات الأخرى بالقومية التركية ، هذه النزعة التي امتدّت لاحقاً إلى ما بعدَ تأسيسِ تركيا الحديثة ، التي اتخذت من العلمانيةِ شعاراً لها ، على يدِ مؤسسها أتاتورك .
في عام ١٩٠٨ م قام الأتراك بانقلابٍ على سياسةِ السلطان عبد الحميد ، وأعلنوا عن وضعِ أوّل دستور للبلاد ، وتولّت جمعية ” تركيا الفتاة ” مقاليد الحكم ، رافعةً شعارات ” حرية – عدالة – مساواة ” ، كما أنها أنشأت منظمةً سريّةً أطلقت عليها إسم ” الاتحاد والترقّي ” أكرهت السلطان على منح الدستور ثمّ خلعتهُ بعد فترة ، وتولّت الحكم النيابي ، ولكنّها مارست الطغيان والاست بداد ، وارتكبوا المجا زرَ بحقّ الأرمن والأكراد والعرب .
وبعدَ أن خسرَ العثمانيون ودول المحور الأخرى الحرب العالمية الأولى تمّ تقسيم الأراضي التي شكّلت الإمبراطورية العثمانية إلى عدّة دول جديدة ، وقد أدّت حرب الاستقلال التركية التي قادها مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه ضدّ دول الحلفاء إلى إلغاءِ السلطنةِ ، في ١ نوفمبر ١٩٢٢ م ، واستبدالِ معاهدةِ ” سيفر ١٩٢٠ ” بمعاهدة ” لوزان ١٩٢٣ ” وإنشاء جمهورية تركيا في ٢٩ أكتوبر ١٩٢٣ م ليصبح أتاتورك أول رئيس لها ، ويقوم بإصلاحاتٍ عديدة ، حيثُ ألغى الخلافة نهائياً في عام ١٩٢٤ م وأرسى عدداً من العادات الغربيّةِ إلحاقاً للبلاد بأوروبا ، واستبدلَ الكتابةَ بالأحرف العربية إلى اللاتينية ، واستمرّ أتاتورك في رئاسةِ الجمهورية إلى حين وفاتهِ في العام ١٩٣٨ .
إلا أنّ حركة التحرّر التركية التي عبّرت عن ذاتها بحربِ الاستقلال ضدّ الحلفاءِ المحتلّين سرعانَ ما تنكّرت لحقوقِ غيرها من القوميات ّوربّما انسجاماً مع العقليّةِ الطورانيّةِ التي ترفعُ من شأنِ العنصرِ التركيّ ، هذه العقليّة التي ورثتها البرجوازية التركيّة بحكمِ نشوئها في أحضانِ الخلافةِ العثمانية، والتي حملت في أعماقها أثقالَ السياسة الطورانيّة العثمانية .
وهذه المفارقة عبّرَ عنها جواهر لال نهرو بقولهِ :
” الأتراك الذين يصارعونَ مؤخراً لنيلِ الحريّةِ اصطدموا بالأكرادِ الذينَ يسعونَ لحريّتهم ، يستغربُ المرءُ من تحوّلِ القوميّة الدفاعيّة إلى قوميّةٍ عنيفةٍ ، ويتحوّل القتالُ على الحريّةِ إلى سيطرةٍ على الآخرين ” .
يتبع ……